فهو استمرار له ، وتتويج ، بإعتباره الغاية ، والوسيلة.
ولقد يعترض علينا ، بأننا حين نعلل على هذا النّحو ، نصور الإرادة الإنسانيّة ، وكأنّ فيها تلك القوة المطلقة المغيرة للكائن الأخلاقي ، بصرف النّظر عن جميع القوى الأخرى الّتي تساعد على تغييره ، بل ننظر إلى تلك الإرادة ، مستقلة حتّى عن الفضل الإلهي!؟. وفي إجابتنا على هذا الإعتراض ننكره أشد الإنكار. فمما لا شك فيه أننا نقع في خطأ فادح ، حين نرتكب خلطا كهذا في عرض الأخلاق القرآنية. ولقد آن الأوان لنتحدث صراحة عما تركناه غامضا في فرضنا. فلنقل إذن في كلمة واحدة : فيم يتمثل تدخل هذا العامل العلوي ، الّذي يتجلى لنا في القرآن ، وفي الحديث.
وإنّه ليتمثل لنا غالبا ، بإعتباره يؤدي دورا محددا في تكوين الطّبع الأخلاقي ، فهو يأتي تلبية لجهد إنساني مستهلّ ، أو منجز ، وهو يجيء على إثر هذا الجهد ، سواء لتغذيته ودعمه ، أو لإثرائه ، والإفضاء به إلى نتيجته.
وفي هذا يقول الله تبارك وتعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) (١) ، ويقول : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) (٢) ، ويقول : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) (٣).
وإذن ، فهناك دائما شيء يأتي أوّلا ، من جانبنا ، فالإنسان ـ لكي يتلقى النّور ـ ينبغي أن يطلبه ، وأن ينشرح له ، ينبغي أن يظهر حاجته إليه ، وأن يمد إليه يديه ،
__________________
(١) العنكبوت : ٦٩.
(٢) محمّد : ١٧.
(٣) يونس : ٩.