وأن يخطو خطوات نحوه ، وهو قوله صلىاللهعليهوسلم : «ما يكن عندي من خير لا أدخره عنكم ، وإنّه من يستعفّ يعفّه الله ، ومن يتصبّر يصبّره الله ، ومن يستغن يغنه الله ، ولن تعطوا عطاء خيرا وأوسع من الصّبر» (١).
فالمدد الإلهي مشروط إذن بجهد إنساني ، وهذا الجهد مع ذلك يحتفظ بقيمته كاملة ، فأمّا السّكينة ، والرّاحة اللّتين تعقبانه فأنّهما لا تنقصان من أجره شيئا.
والحقّ أنّ القرآن لا يذكر في بعض آياته هذه العلاقة ، على أنّها بين شرط ومشروط ، بل إنّه أحيانا لا يشير أدنى إشارة إلى المحاولة الإنسانيّة ، وهو حين يتحدث عن الهداية الكاملة الّتي يحظى بها الأصفياء ، يقدمها على أنّها ثمرة إنعام خالص ، جاء بفضل الله مباشرة ، وهو ما نقرؤه في قوله تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) (٢) ، (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) (٣) ، لأنّه (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) (٤) ، (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ) (٥).
بيد أنّ ترك الذكر لا يعني بالضرورة النّفي ، ولو أننا أردنا أن نحكم على هذا
__________________
(١) انظر ، صحيح البخاري : ٢ / ٥٣٤ ح ١٤٠٠ و : ٥ / ٢٣٧٥ ح ٦١٠٥ ، وقد ذكر المؤلف في الهامش (ومن يستعفف) ، «المعرب». وانظر ، صحيح ابن حبّان : ٨ / ١٩٣ ح ٣٤٠٠ ، سنن التّرمذي : ٤ / ٣٧٣ ح ٢٠٢٤ ، سنن الدّارمي : ١ / ٤٧٤ ح ١٦٤٦ ، سنن أبي داود : ٢ / ١٢١ ح ١٦٤٤ ، موطأ مالك : ٢ / ٩٩٧ ح ١٨١٢ ، مسند أحمد : ٣ / ٩٣ ح ١١٩٠٨.
(٢) الأنعام : ١٢٥.
(٣) المجادلة : ٢٢.
(٤) الفتح : ٤.
(٥) الحجرات : ٧.