الموقف ببعض هذه الآيات نفسها فلسوف يظهر أنّ هذه المنحة السّماوية لم تكن إلّا أجرا على موقف محسن أبداه هؤلاء النّاس من قبل : (فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (١) (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) (٢). فهناك إذن إيمان يحتاج إلى تقوية ، ومشاعر جديرة بالإثابة.
ولن نمضي ـ بطبيعة الحال ـ إلى حد أن ندعي أنّ العمل الإنساني سابق مطلقا ، فمن البداهة أن وجودنا العضوي ، والنّفسي ، والإجتماعي ، سابق على وجودنا الأخلاقي ، ثمّ إنّ الإمكانات الموجودة بالقوة في باطن هذا الوجود الأخلاقي تسبق النّشاط الشّعوري ، وتعد له.
بل إننا لنمضي إلى القول بأنّ هنالك نوعا من المدد الإلهي الإيجابي للأنفس ذات الإستعداد الطّيب ، وزيادة في القوة تغنيها عن مزيد من الجهد في المقاومة ، ضد الإتجاهات السّيئة.
وأنّا لنقف أمام هذه الحالة الأخيرة كيما ندفع برهان النّظرية المناقضة إلى نهايته.
فلنفترض إذن أنّ النّصوص تعني هذه الأنفس المتميزة ، وأنّ هذه القوة الّتي اكتسبتها ليست في جانب منها نتيجة تدخلها الإرادي والمجاهد. ومع أننا نقرر مع القرآن أنّ هذه الأنفس بإستعدادها الطّيب للتقوى : (وَكانُوا أَحَقَّ بِها
__________________
(١) الفتح : ١٨.
(٢) الفتح : ٤.