كلّ فرد أن يصنعه بصورة حسية في هذا المجال ، كيما يفي بتكاليفه ـ فإننا نقع في أكثر التّعريفات تضاربا ، ذلك أنّ المساعدة المالية الّتي يريد المتصدقون أن يقدموها للفقراء قد تختلف ، على ما لا يحصى من الدّرجات ، تبعا لكرمهم ، وابتداء من الفلس ، إلى حدّ هبة الثّروة بأكملها.
ولكن الشّرع الأخلاقي ، على الأقل في لغة الإسلام ، لم يدع الأمور تجري في أعنة الفوضى ، بل لقد أقر إجراء ، وثبت حدودا. فهو ـ من ناحية ـ قد أقر حدا أدنى معونة سنوية قدرها (١ ـ ٢٢ خ) من الثّروة النّقدية و(٥ خ أو ١٠ خ) من المحصول (تبعا لطريقة الرّي) وهو من ناحية أخرى قد جعل ثلث الثّروة الكلية حدا أقصى ، من حق الإنسان ، عند الوصية ، أن يمنحه لآخر ، من غير ورثته الشّرعيين.
فواجب المؤمن محدد على هذا النّحو : أن يتحاشى الطّرفين المحرمين ، فلا يقنع بقدر من المال أقل من الحد الأدنى الواجب ، ولا يتجاوز الحد الأقصى المباح.
وإذا كان المجال هنا قد اهتم بالإعتبارات الكمية ، فهناك مجالات أخرى تضع في الإعتبار الأمور الّتي تتصل بالكيفية ، وبالهدف ، وبالزمان ، وبالمكان .. وكلّها شروط بنائية ، أو تحتمها الظّروف ، ويجب أن تتحقق لتنشيء ما قد تعتبره الأخلاق الإسلاميّة إختيارا صالحا. فالعمل الّذي ينعدم فيه أحد هذه العناصر الجوهرية يسقط بنفس الأثر في حمأة الشّذوذ.
ولقد نجد في هذه التّنظيمات بعض الجور على الضّمائر الفردية ، بحيث لا تترك شيئا لإختيارها الحرّ ، ولسوف نرى فيما بعد مدى حرية التّصرف