وقد خطرت للمسلمين المهاجرين إلى المدينة ، وسيلتان لإستنقاذ إخوانهم المحتجزين بمكّة ، ولتحطيم كبرياء المعتدين ، فإمّا أن يتصدوا لقافلة تجاراتهم لدى عودتها من الشّام ، وإمّا أن يأخذوا بزمام المبادرة فيلاقوا جحافلهم الّتي تفوق عدد المسلمين ثلاث مرات ، والّتي توفر لها الكثير من العدة ، والسّلاح ، وكانت قد سارت إليهم فعلا ، واستشار النّبي صلىاللهعليهوسلم أصحابه ، قائلا : «إنّ الله وعدني إحدى الطّائفتين ، العير ، أو النّفير» ، وقد مال الإتجاه العام أوّل الأمر إلى الحل الأقل خطرا ، والأكثر فائدة ، ولكن الله عزوجل كان يريد أكثر الحلول تأثيرا ، وأعظمها شرفا ، وأقدرها على حسم النّزاع بين الحقّ ، والباطل ، وقد كان ، وهو ما سجلته الآية الكريمة : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) (١).
وهكذا يدعو القرآن المؤمنين إلى أن يبتغوا في سلم الأعمال أسماها وأقواها تأثيرا.
والسّؤال الّذي يطرح نفسه الآن هو : هو إلى أي مدى يطلب منا هذا الجهد الأرفع؟. وهل هو يطلب بنفس الصّرامة المتمثلة في الدّرجتين السّابقتين؟
نعم ، ولا ريب ، عند ما تكون إحدى القيم الرّفيعة في خطر ، ولا يوجد لصونها والمحافظة عليها من وسيلة أمام الإنسان إلّا أن يجاهد بكل قواه ، ويستنفد كلّ موارده.
__________________
(١) الأنفال : ٧ ـ ٨.