وأعظم دلائل الإيمان ـ كما رأينا ـ هو التّضحية الّتي يقدمها المؤمن عن طواعية ، وحرية ، وهو بذل النّفس ، حتّى النّفس ، من أجل المثل العليا الّتي تعلو عليها.
ولكن ، هل من الممكن في الظّروف العادية أن نجيب بالإيجاب ، بكلّ دقته ، وصرامته؟.
لا نظن ذلك ، لأنّ معناه ، أوّلا ، أننا نلغي فكرة الدّرجة من تقديراتنا الأخلاقية ، وقد يصبح مجال العمل ضيقا شديد الضّيق ، إلى حدّ ألّا يسمح إلّا بعمل واحد لا يختلف مطلقا بالزيادة ، أو النّقصان. ولسوف نجد أنّ الجهد الكريم الّذي قد يقف على بعد خطوات دون الغاية المرجوة ، سوف يوصم بنفس القدر من اللاأخلاقية الّتي يوصم بها أي عميل بليد ، أو متوسط ، أو ضعيف. بل إنّ الفضيلة نفسها سوف تكون مفهوما خياليا ، لا وجود له إلّا في عالم الأساطير. ذلك ، أنّه إذا كان ما ندعوه بالممكن الأفضل يعني هذا الحدّ المحدود للقدرة الإنسانية فلسوف يختلط لا محالة بما هو فوق الإنساني ، أو بالأحرى ، بما هو لا إنساني. فلكي يتأكد الإنسان من أنّه استعمل كلّ قواه يصبح دليله الوحيد أن ينتحر بإستهلاك نفسه. وبهذا نرى إلى أية استحالة يقودنا فرض كهذا.
أمّا موقف القرآن فجدّ مختلف عن هذا. فهو من ناحية يجعل فكرة (الكمال) ما بين الإنهماك غير المعقول ، والجهد المتوسط.
وهو من ناحية أخرى ، مع تشجيعه النّاس على أن يطلبوا الأفضل ، يزكي ، ويستر بلطفه أهل الصّلاح الطّيبين جميعا ، ضعفاء كانوا ، أو أقوياء. ومن أجل