١ ـ النّجدة :
عند ما نقول : يجب أن ننقذ حياة غريق ، أو نصون حياة يتيم ، وعند ما يكون الأمر أمر حفظ الحياة الإنسانية ، فعندئذ يماثل القرآن حياة الإنسان الواحد المنقذة بحياة الإنسانيّة جمعاء : (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) (١).
فما ذا يكون على وجه الدّقة واجبنا في ظروف كهذه؟ ...
من البدهي أنّ واجبنا لن يكون أن نطيل فعلا هذه الحيوات ، لأنّه ليس لنا سلطان مباشر على هذه النّتيجة النّهائية ، مع أنّ هذا هو «الخير» الحقيقي المراد. إنّ واجبنا هو أن نقود أنفسنا نحو هذه الغاية ، من الطّريق المتاحة لنا ، وهذه الطّريق الوحيدة الّتي أتاحها الله لنا ليست سوى أن نسخر قوانا ، ونوجهها في اتجاه هذا الهدف ، وذلك يعني في آخر الأمر أن نمارس بعض الأعمال ، وأن نبذل بعض الجهود : جهدا ذهنيا نكشف به الوسيلة ، وجهدا أخلاقيا تمليه الإرادة الطّيبة لنحمل أنفسنا على استخدام هذه الوسيلة ، وجهدا عضليا لتنفيذ قرارنا (وذلك بأن نلقي بأنفسنا ـ مثلا ـ في اليمّ). والخطوة الأخيرة من كلّ هذه الخطوات الّتي يترتب بعضها على بعض ـ هي الّتي توصلنا إلى أعلى درجات الخير المتصوّرة ، فهي أقرب سبب لما حققناه ، كما أنّها الحدث الّذي تميزّ بتضحية كبيرة. والجهد البدني يشكل هنا ، كما نرى ، جزءا أساسيا ، بدونه تظل مهمتنا ناقصة نقصانا ظاهرا.
__________________
(١) المائدة : ٣٢.