١ ـ صبر وعطاء.
هذا هي المشكلة الأولى : فأي الفضيلتين خير من الأخرى : الصّبر في البأساء ، أو العطاء في الرّخاء؟
وربما طرحت هذه المشكلة صرحا سيئا إذا ما أريد بها هنا إقرار تدرج ذي طابع عملي ، صالح لفرض واجب ، أو حتّى وصية. ذلك أنّه لكي نمارس الفضيلة الأساسية المنافية لوضع معين ـ فإمّا أن يكون كافيا أن نتخذ بطريقة مصطنعة موقف الوضع النّقيض ، وهو أمر يبدو محالا غير معقول ، وإمّا أن يلزمنا أن نستبدل بالوضع الرّاهن الوضع العكسي.
ولكن لو افترضنا أنّ إصلاح وضعنا ، وإسعاد أنفسنا ماديا ، أو إفساد هذا الوضع ، وتدمير ثرواتنا ـ كلاهما يتوقف علينا ، فهل من واجبنا الملح ، كيما ننتقل من حالة إلى أخرى مناقضة لها ـ أن نغير وضعنا ، أو أن نسير بهذه الطّريقة ، أو تلك على حسب الظّروف؟ ..
إنّ الإجابة عن هذا السّؤال موجودة أوّلا بصورة مجملة في وصية حكيمة ، يدعو فيها رسول الله صلىاللهعليهوسلم كلّا منّا ألا يدع مجال عمله الّذي اعتاده ما لم تنقلب أحوال هذا العمل ضده : «فعن عائشة رضى الله عنه قالت : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : إذا سبّب الله لأحدكم رزقا من وجه فلا يدعه حتّى يتغير له ، أو يتنكر له» (١) ، فإذا ما نقلنا هذا القول من المجال الإجتماعي إلى المجال الأخلاقي ـ ألا نستطيع أن
__________________
(١) انظر ، سنن ابن ماجه : ٢ / ٧٢٧ ح ٢١٤٨ ، مسند أحمد : ٦ / ٢٤٦ ح ٢٦١٣٤ ، مصباح الزّجاجة : ٣ / ٩ ، شعب الإيمان : ٢ / ٩٠ ح ١٢٤٤ ، ميزان الإعتدال : ٦ / ٣٩١ ح ٨٤٠٢ ، تهذيب التّهذيب : ١٠ / ٣٧٠ ح ٧٤٤ ، كشف الخفاء : ٢ / ٢٩٦ ح ٢٣٧٦ ، تهذيب الكمال : ٩ / ٣١٣.