الفضيلة الّتي تفترض درجة عالية من الرّخاء ، والرّفاهية الطّبيعية ، لا تلك الّتي تقصر خيراتها على مالكها ، والّتي تستتبع الحرمان ، والألم.
وذلك ـ على الأقل ـ هو ما يدل عليه الحوار الّذي وقع بين النّبي صلىاللهعليهوسلم ، وبعض صحابته ، وإليك النّص الّذي رواه مسلم عن أبي هريرة : (أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا : ذهب أهل الدّثور (١) بالدرجات العلى ، والنّعيم المقيم ، فقال : وما ذاك؟ قالوا : يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون ولا نتصدق ، ويعتقون ولا نعتق ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أفلا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم ، وتسبقون به من بعدكم ، ولا يكون أحد أفضل منكم ، إلّا من صنع مثل ما صنعتم؟ قالوا : بلى يا رسول الله! قال : «تسبحون ، وتكبرون ، وتحمدون دبر كلّ صلاة ثلاثا وثلاثين مرة». قال أبو صالح : فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ، ففعلوا مثله ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) (٢).
٢ ـ عزلة ، واختلاط :
والمشكلة الثّانية هي مشكلة التّناقض بين حياة العزلة ، والحياة الإجتماعية.
__________________
(١) الدّثور : الدّروس ، يقال : دثر الرّبع ، إذا عفا ، كما جاء في الغريب لابن قتيبة : ٢ / ٢٧٨ ، لسان العرب : ٤ / ٢٧٦.
(٢) المائدة : ٥٤.
انظر ، صحيح مسلم : ١ / ٤١٦ ح ٥٩٥ و : ٢ / ٦٩٧ ح ١٠٠٦ ، منته المطلب : ١ / ٣٠٢ ، صحيح البخاري : ١ / ٢٨٩ ح ٨٠٧ و : ٥ / ٢٣٣١ ، تذكرة الفقهاء : ٣ / ٢٦٤ ، صحيح ابن حبّان : ٣ / ١١٩ ح ٨٣٨ ، بحار الأنوار : ٣١ / ٤٥٢ ، المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم : ٢ / ١٩٣ ح ١٣٢٠ ، نهاية الإحكام : ١ / ٥١٠ ، سنن البيهقي الكبرى : ٢ / ١٨٦ ح ٢٨٤٦ ، مسند أحمد : ٥ / ١٦٧ ح ٢١٥١٢ ، مسند أبي يعلى : ١١ / ٤٦٦ ح ٦٥٨٧.