ولقد اقتدى كثير من صحابته رضوان الله عليهم به في هذا الإعتكاف ، وما زال بعض المسلمين الصّالحين يقتدون به فيه ، حتّى يوم النّاس هذا.
٣ ـ جهد ، وترفق :
أتاح لنا بحث المشكلتين السّابقتين أن نطالع أفق التّشريع القرآني ، فالجهد المادي لا يزيد عن الجهد الأخلاقي ، إذ ليس له في نظر الإسلام سوى قيمة تتناسب مع الخير الّذي يستهدفه الشّرع. وليس هنالك نص يدعونا إلى إلتماس المشقات حين لا يقتضيها الموقف ، أو الواجب. فأمّا حين يكون العكس ، وهو أن يشتمل عبء الحياة العادية على ثقله ، فليس هناك ما يجيز لنا أن نتملص منه. فهما أمران مرفوضان على سواء : «التّعصب» الأعمى ، و«التّنسك» الغبي ، الضّيق الأفق.
فلنتناول الحالة الّتي يقتضي فيها تحقيق الخير الأخلاقي (بالمعنى الواسع للكلمة) تدخل طاقتنا. فعلينا إذن أن نسأل أنفسنا عن أهمية هذا الإقتضاء ، هل هو يتطلب طاقتنا بكمالها ، أو أنّه يعين لها حدّا تقف عنده ، فإذا تجاوزته أصبح جهد الواجب الأساسي ـ واجب كمال ، (على ما بيناه في دراستنا لدرجات الجهد الإبداعي) ، وليس ذلك فحسب ، ولكن الإقتضاء الآمر يخلي مكانه لنوع من الإجازة ، حتّى يبلغ حدّ التّحريم؟ ..
إننا إذا حكمنا على هذه المسألة ببعض النّصوص فإنّ الجهاد يجب أن يستهدف المثل الأعلى ، متناسيا نفسه ، وهكذا نقرأ في الآيات الأخيرة من سورة الحجّ الأوامر الآتية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا