إنّ من المفيد جدا أن نتأمل النّغمة الّتي يعبر بها القرآن عن موضوع الرّخص ، فلقد عالجها بأقصى درجات الحذر ، والمخافتة ، حتّى لا نكاد نسمعها.
والواقع أنّه لا يذهب إلى حدّ أن يقول : (اعملوا تبعا لما يقتضيه الموقف) ، ولا يقول أيضا : (يجوز لكم ، أو يباح أن تعملوا هكذا). بل إننا لو تأملناه من قريب لرأينا أنّ الضّرورة لم تلغ التّكليف ، وإنّما هي ترفع أثر المخالفة فحسب ، فمتى وقعت هذه المخالفة عفا الله عنها : (وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١) ، (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢).
ولكن ما هو جدير بالملاحظة أنّه في الحالة الّتي يسمح بدرجة دنيا من الجهد يستنهض في الحال شجاعتنا ، لنقاوم إغراء الضّعف ، والفتور ، وهو ينصحنا أن نتحمل الآلام الّتي تنشأ عن هذه المقاومة ، وأن نتمسك في شجاعة بالحل الأمثل : (وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ) (٣) ، (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) (٤).
هذا التّوجيه إلى نيل الجهد هو في الواقع لازمة لا يفتأ القرآن يعود إليها في كلّ مناسبة : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) (٥) (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (٦).
__________________
(١) النّور : ٣٣.
(٢) المائدة : ٣.
(٣) النّساء : ٢٥.
(٤) البقرة : ١٨٤.
(٥) الأحقاف : ٣٥.
(٦) الشّورى : ٤٣ ، وآل عمران : ١٨٦.