فهو بصفة عامة يحثنا على أن نختار من بين درجتي الخير الأخلاقي ـ أكرمهما ، وأشرفهما ، فالكرم أحرى من العدالة المدنية الدّقيقة ، والعفو أولى من القصاص ، والله يقول : (وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ) (١) ، ويقول : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) (٢) ، (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) (٣).
فالقرآن لا يدعونا إذن إلى بذل أقل الجهد ، وهو لا يرضى لنا أن نرتد أمام المشقات الأولى «بل إنّ شعاره دائما هو : جاهدوا ـ اصبروا ـ صابروا ـ افعلوا الخير».
ومع ذلك إنّ القرآن لا يمضي إلى حدّ الإفراط في هذا التّوجيه ، فهو يضع حدين أمام جهدنا الخادم المتحمس : أحدهما مادي ، والآخر أخلاقي ، فالجسم الّذي يتألم من مرض لا يجب عليه أن يؤدي نفس الجهد الّذي يؤديه الرّجل الصّحيح. هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى ، ليس بواجب في بعض الحالات الّتي يتعرض لها المرء أن يكب على بعض الشّعائر على حساب شعائر أخرى ، ومن الآيات ذات الدّلالة في هذا قوله تعالى : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) (٤). فجهدنا يجب أن يتوزع توزعا عادلا على مجموع واجباتنا. ولمّا كان
__________________
(١) البقرة : ٢٨٠.
(٢) البقرة : ٢٣٧.
(٣) النّحل : ١٢٦.
(٤) المزمل : ٢٠.