التّوازن ، أو إهمال الواجبات الأخرى الّتي ليست بأقل أهمية. وهو يستهدف أن يتحاشى التّكلف ، والأساليب المتجاوزة للحد ، الّتي يبغضها ، أوّلا وقبل كلّ شيء ، ولقد أمره ربه أن يقول : (وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) (١).
بيد أنّ هذه الرّحمة الّتي يبديها تجاه النّاس لا تنفي لديه ، أو لدى من يريدون ، ويستطيعون الإقتداء به إلتزاما واضحا نحو أنفسهم أن يبذلوا أشجع الجهد ، ولكنه في الوقت نفسه أعقله ، وأوفقه.
وجملة القول أننا هنا أمام تركيب تلتقي فيه الشّدة ، واللّطف ، أمّا وهذا هو الفقه القرآني في هذه المسألة ، فلسنا نجد أصدق من أن نقدم بين يدي هذا الفقه شاهدا من النّص ذاته ، وهو يجمع هاتين الفكرتين في آية واحدة :
يقول تبارك وتعالى : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٢).
وكذلك ترد على لسان النّبي صلىاللهعليهوسلم تعبيرات مماثلة ، والواقع أنّه كان يقرر دائما أنّ أهم سمات النّظام الإسلامي أنّه يضم صفتين معا في وقت واحد : أنّه (متين) ، وأنّه (يسر) ، وذلك قوله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ هذا الدّين متين ، فأوغل فيه برفق» (٣) ، «ولن
__________________
(١) سورة ص : ٨٦.
(٢) الحجّ : ٧٨.
(٣) انظر ، مسند أحمد : ٣ / ١٩٨ ح ١٣٠٧٤ ، الكافي : ٢ / ٨٧ ، الأحاديث المختارة : ٦ / ١٢٠ ح ٢١١٥ ، مجمع الزّوائد : ١ / ٦٢ ، المجازات النّبوية : ٢٦٠ ، سنن البيهقي الكبرى : ٣ / ١٨ ح ٤٥٢٠ و ٤٥٢١ ، شرح اصول الكافي : ١ / ٢٧٦ ، مسند الشّهاب : ٢ / ١٨٤ ح ١١٤٦ و ١١٤٧ ، منية المريد : ٢٠٠ ، شعب الإيمان : ٣ / ٤٠٢ ح ٣٨٨٥ و ٣٨٨٦ ، بحار الأنوار : ٦٨ / ٢١٢ ، الفردوس بمأثور الخطاب : ١ / ٢٣٥ ح ٩٠٠ ، صفوة الصّفوة : ١ / ٢٠٨.