الذوق العام ، وتقديراته التّقريبية المبتسرة ، تبعا للتجارب اليومية. والواقع أننا نعلم متى تفتر الطّاقة ، وتقترب من الخمود ، ومتى تصير مفرطة محمومة ، فنضع الجهد المعقول بين هذين في درجات مختلفة.
ومن هنا نفهم أنّ القرآن قد إلتزم بإستخدام هذا المقياس العام ، وهو يوجه عظاته إلى النّاس ، ولهذا كان البرد ، والحرّ ، والعرق ، والتّعب ، والعطش ، والجوع ، وما شاكلّ ذلك من المصاعب الّتي لا تمنعنا من ممارسة أعمالنا ، هذه كلّها لا ينبغي في نظر القرآن أن تعفينا من بذل كلّ قوانا لأداء واجبنا الأخلاقي. وكما نبذل أحيانا جهدا إضافيا لكي نوفر حاجات الأفراد الّذين نعزهم ، ونتكفل بهم ، فكذلك ينبغي أن نتحمل أكثر ، من أجل واجب أكثر ضرورة ، ونتقبل أعظم التّضحيات في سبيله : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (١) ، (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ) (٢).
وبالرغم من قلة التّحديد الظّاهرة في هذا التّعريف الخارجي إلّا أنّ له ميزة مزدوجة ، هي أنّه يتطابق مع المنهج القرآني ، ويلبي في الوقت نفسه المطالب الأساسية للأخلاقية.
ونلاحظ فيما يتعلق بالقرآن أنّه في جميع المواضع الّتي يتحدث فيها عن الدّواعي المعفية من هذه الشّعيرة أو تلك ـ لا يستخدم سوى ألفاظ شائعة في
__________________
(١) التّوبة : ٤١.
(٢) التّوبة : ٨١.