عموم الجنس ، مثل (المرضى) (المسافرين) .. إلخ ... فهو حين اكتفى بالمعنى القريب الّذي يفهم عموما من الصّعوبة في موقف كهذا ـ لم يقل مطلقا أي درجات المرض ، ولا أية مسافة ، أو مدة في السّفر. ولذلك فقد أختلفت آراء الفقهاء إلى أقصى حدّ عند ما حاولوا تحديد أدنى مسافة يقطعها المسافر ليسمى مسافرا ، فبعضهم جعلها مئات الفراسخ ، وآخرون عشراتها ، وغيرهم بعضا منها.
بيد أنّ عدم التّحديد بهذه الصّورة كان ضروريا في نفس الوقت لإنقاذ حرية الضّمير الأخلاقي ، ولولاه لما بقي للفرد أثر من حرية الإختيار. وبهذه الطّريقة الّتي استخدمها القرآن في التّعبير بوضوح ، ومرونة ـ استطاع أن ينشيء إطارا متوافقا لبناء هذا الوسط الأخلاقي المشترك بين جميع أعضاء الجماعة ، ولكنه إطار غني بالألوان يمكن أن نجد في داخله درجات كثيرة من القيمة الأخلاقية.
وفي هذا الإطار يدعى كلّ فرد إلى ممارسة نشاطه ، بأن يضع نفسه على درجة مناسبة العلو ، في سلّم القيم ، تبعا لطاقته المادية ، ومطامحه الأخلاقية.
وبهذا يتضح معنى ذلك الحديث الصّحيح الّذي يقرر أنّ صحابة النّبي صلىاللهعليهوسلم كانوا يسافرون «مع النّبي صلىاللهعليهوسلم ، فلم يعب الصّائم على المفطر ، ولا المفطر على الصّائم» (١).
والقرآن لا يعتمد فقط على الضّمير الإنساني حين يغفل تحديد الشّروط لهذه
__________________
(١) انظر ، صحيح البخاري : ٢ / ٦٨٧ ح ١٨٤٥ ، تذكرة الفقهاء : ٦ / ١٥٤ ، المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم : ٣ / ١٩٥ ح ٢٥٢٨ ، مشارق الشّموس للمحقق الخوانساري : ٣٦٨ ، سنن التّرمذي : ٣ / ٩٢ ح ٧١٣ ، مجمع الزّوائد : ٣ / ١٥٩ ، سنن التّرمذي (المجتبى) : ٤ / ١٨٨ ح ٢٣٠٩ ، المسائل الفقهية للسيد شرف الدّين : ٥٣ ، مسند أحمد : ٣ / ٧٤ ح ١١٧٢٣ ، المعجم الكبير : ٣ / ١٦١ ح ٢٩٩٧ ، حاشية السّندي : ٤ / ١٩٤ ح ٢٣١٢.