لكي نصف أخلاق القرآن ـ أن نقول : إنّها حفظت تراث الأسلاف ودعمته ، وإنّها وفقت بين الآراء المختلفة الّتي فرقت أخلافهم ، بل ينبغي أن نضيف : أنّ الأخلاق القرآنية قد رفعت ذلكم البناء المقدس ، وجمّلته ، حين ضمت إليه فصولا كاملة الجدّة ، رائعة التّقدم ، ختمت إلى الأبد العمل الأخلاقي (١).
ولسوف يكون علينا في هذه الدّراسة أن نعالج الأحكام العملية الّتي جاء بها القرآن في ذاتها ، وفي مرحلتها النّهائية من تطورها ، وحسب القارىء بعد ذلك أن يتصفح النّصوص الّتي نوردها في نهاية هذا الكتاب ، ليدرك رحابة هذا النّظام وجماله.
ولسوف يختلف منهجنا كثيرا في عرض هذا الجانب عن المنهج الّذي أتبعه سابقونا. فلما كنّا ـ أوّلا ـ لا نرى من اللازم أن نستوعب النّصوص ، والآيات ذات الأتصال بالموضوع ، فقد أكتفينا بأن سقنا بعضا منها ؛ ذا دلالة كافية على القواعد المختلفة للسلوك ، ثم حاولنا من بعد ذلك أن نتجنب التّكرار بقدر الإمكان.
واتبعنا أخيرا نظاما منطقيا بدلا من إلتزام نظام السّور (الّذي تبعه الإمام الغزالي) ؛ أو النّظام الأبجدي للمفاهيم (كما فعل جول لابوم). فالنصوص في عملنا هذا مجمعة في فصول ، بحسب نوع العلاقة الّتي سيقت القاعدة لتنظيمها ، وقد ميّزت في داخل كلّ طائفة عدة مجموعات صغيرة من النّصوص ، وضعنا لها عنوانا فرعيا يوجز التّعليم الخاص الّذي يستقي منها ، بحيث يتاح للقاريء أن
__________________
(١) انظر ، كتابنا «المدخل إلى القرآن [Initiation du Coran] القسم الثّاني ـ الفصل الثّاني ، وسوف تجد هنالك أمثلة عديدة مادية ، تشهد بوجود هذه الجوانب الثّلاثة فيما أضافه القرآن : إجمال لما سبق ، وتوفيق بين وجهات مختلفة فيه ، وإكمال لجوانب ناقصة.