سلطانها الخاص.
والواقع أنّ الشّريعة الإيجابية ، لا تستطيع أكثر مما تستطيع الشّريعة الطّبيعية في أن تكون إكراها يفرض نفسه علينا ، دون مراعاة لقبولنا ، وموافقتنا. فإنّ الأمر الإلهي لا يمكن أن يصبح بالنسبة إلينا تكليفا أخلاقيا إلّا برضانا. ولا يعتبر الإنسان أنّه قد أطاع واجبه الدّيني إذا كان يؤديه دون إيمان بطابعه التّكليفي ، كأساس في نظام الأشياء الثّابتة.
(فالواجب الأوّل هو الإيمان بالواجب) ، ويجب أن أتلقى من ذاتي الباطنة الأمر بطاعة هذا الأمر الأعلى.
ولذلك نجد القرآن يذكر المؤمنين بإلتزامهم العام ، بموجب عقد الإيمان ـ قبل أن يطلب منهم طاعتهم المخلصة. وهكذا لا تكون الصّفة الإلهية للأمر القرآني سوى لحظة وسيطة ، بين شعورين إنسانيين يستحثهما دائما.
فمن الوجهة التّحليلية نجد أنّ «العنصر الدّيني» ، و«العنصر الأخلاقي» مفهومان مستقلان ، لا رابطة بينهما ضرورية ، وهما إجابة عن نوعين من المثل الأعلى مختلفين : أحدهما يتعلق «بالكينونة» ، والآخر «بالمصير» ، ففي المجال الأوّل يكون المثل الأعلى هو الكائن الكامل ، الحقّ ، الجميل في ذاته ، وهو موضوع المعرفة ، والتّأمل ، والحبّ. وفي المجال الثّاني يكون المثل الأعلى هو العمل الكامل ، الّذي نسميه : الفضيلة ، موضوع الطّموح ، والإبداع.
وإنّما نقرب بين هذين المفهومين نتيجة اتفاق منطقي ، وحكم تركيبي ـ كما يقول كانت ـ حين نجعل من الله الخالق سيّدا مشرعا ، وحين نتخذ من توجيهه