تردها ثانية إلى نقطة توازنها. ونخص بالذكر الطّريقة الّتي استطاعت بها أن توفق بين «حرية» الفرد و«تنظيم» إرادته ، لقد حققت هذا التّوفيق بفضل طابعها المتوسط بين المرونة ، والصّرامة ، والّذي بفضله تتكيف تبعا لأكثر ظروف الحياة اختلافا ، دون أن تتراخى مع ذلك أمام إغراء شهواتنا ، وتقلب إحساسنا.
والواقع أنّ هذه الشّريعة تميز تمييزا واضحا بين الإتجاهات شديدة العمق للنفس الإنسانية ، وحاجاتها العابرة ، المشروعة أو غير المشروعة ؛ كما أنّها تفرق بين ما ينبغي أن يترك دون مساس ، لأنّه فريضة ظرف شامل لا يتغير ، وبين ما يترك لحكم كلّ منا ، لأنّه يتغير بتغير الملابسات ، والظّروف ، وبين ما ينبغي إصلاحه ، أو إسقاطه ، بإعتباره إضافة زائفة ، صدرت عن طبيعة غريبة شريرة.
ولذلك أثبت القرآن مراعاة لهذه الأحوال المبدأ الثّلاثي المتمثل في : «الفرض» ، و«المباح» ، و«المحرم».
فذلكم هو العامل الأوّل الّذي جعل من هذا المقياس الدّقيق للحكمة القرآنية رابطة بين الحرية ، والتّنظيم.
وإليك عوامل أخرى.
فإذا ثبت مبدأ كلّ قاعدة ، وجوهرها على هذا النّحو ، وجب أن يظلا ثابتين إلى الأبد ، ومقدسين على وجه الشّمول. بيد أنّه لما لم تكن صيغة بعض هذه المبادىء ، أو الجواهر قد حددت تحديدا ماديا ، ولما كان تعريفها ، وشكل تطبيقها قد تركا صراحة للذوق السّليم ، فإنّ القضية تصبح قضية الحكم ، والتّذوق الشّخصي.