وقد روى الفريقان أحاديث متسالما عليها في أنّ من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة (١). ورووا عن النّبيّ الكريم صلىاللهعليهوآله أحاديث متواترة من عدّة طرق أحاديث توصي الأمّة بالتمسّك بأهل البيت عليهمالسلام وتصفهم بأنّهم الثقلان اللذان خلّفهما النّبيّ في أمّته ؛ وبأنّهم كسفينة نوح : من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق ؛ وأنّهم مثل حطّة من دخله كان آمنا ؛ ثمّ رووا أنّه صلىاللهعليهوآله نصّ على خلفائه بأسمائهم ، وأنّه أوصى إليهم الواحد تلو الآخر.
الإمام المهديّ عليهالسلام خاتم الأئمّة عليهمالسلام
ويمثّل الإمام المهديّ عليهالسلام الحلقة الأخيرة من سلسلة الإمامة ، وعلى الرغم من أنّ البرهان العقليّ في مسألة اللطف الإلهيّ ، وأنّ الأرض لا تخلو من حجّة ، كاف في التدليل على أمره ، الأمر الّذي أدركه حتّى أتباع المذاهب الأخرى ، بل الواقفون في صفّ أعداء شيعة أهل البيت عليهمالسلام (٢) ؛ فإنّ البرهان النقلي قائم على وجوده من خلال الأحاديث المتعاضدة الّتي بلغت حدّ التواتر في البشارة به على لسان النّبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآله ؛ ناهيك عن الأخبار الواردة في ولادته وفيمن ورآه وكلّمه ، وفي معجزاته وتوقيعاته ونوّابه. ونجد أنّ الإمامين العسكريّين عليهماالسلام بعامّة ، والإمام الحسن العسكريّ عليهالسلام بخاصّة ، قد بذلا جهودا كبيرة في إعداد القواعد الشّيعيّة لغيبة الإمام المهديّ حتّى قبل تحقّق ولادته ، فنلحظ ـ على سبيل المثال ـ أنّهما يختاران وكلاءهما ويوثّقانهم بمختلف ألفاظ التوثيق ، عالمين بأنّهم سيكونون من النّواب الخاصّين للإمام المهديّ عليهالسلام. كما نلحظ أنّ العسكريّين عليهماالسلام يتّخذان ـ وبالتّدريج ـ أسلوب الاحتجاب عن الشيعة ، ويتعاملون مع قواعدهم الشيعيّة من خلال الوكلاء ، كما نرى الروايات الكثيرة الّتي تحدّثت عن غيبة الإمام ، وعن فضل الانتظار الّذي يعدّ فيه الفرد المسلم نفسه ليكون مؤهّلا لنصرة الإمام عند ظهوره في تحقيق رسالته التّاريخيّة.
__________________
(٨) نفس المصدر ١ : ١٣٧ ، ح ١ ، باب «أنّه لو لم يبق في الأرض إلّا رجلان ، لكن أحدهما الحجّة».
(١) وردت هذه الأحاديث بعبارات مختلفة ذات مضمون واحد. انظر : مسند أحمد ٤ : ٩٦ ؛ طبقات ابن سعد ٥ : ١٤٤ ؛ المعجم الأوسط للطبرانيّ ١ : ١٧٥ ، ح ٢٢٧ ؛ التاريخ الكبير للبخاريّ ٦ : ٤٤٥ ، رقم ٢٩٤٣ ؛ شرح النهج لابن أبي الحديد ٩ : ١٤٧ ؛ المعجم الكبير للطبرانيّ ١٠ : ح ١٠٦٨٧.
(٢) قال ابن أبي الحديد في شرح عبارة «إنّ الأرض لا تخلو من حجّة» : كيلا يخلو الزمان ممّن هو مهيمن لله تعالى على عباده ومسيطر عليهم. (شرح نهج البلاغة ١٨ : ٣٥١) ، وقد فهم ابن حجر العسقلاني منه أنّه إشارة إلى مهديّ أهل البيت عليهمالسلام ، فقال ما نصّه : «وفي صلاة عيسى عليهالسلام خلف رجل من هذه الأمّة مع كونه في آخر الزمان وقرب قيام الساعة دلالة للصحيح من الأقوال : أنّ الأرض لا تخلو من قائم لله بحجّة» (فتح الباري شرح صحيح البخاري ٦ : ٣٨٥). (نقلا عن «المهديّ المنتظر في الفكر الإسلاميّ» ٧٩ و ٨٠).