فهلّا نقضت عليه دعواه بقولك : أليس قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : الخلافة بعدي ثلاثون سنة؟ فجعل هذه موقوفة على أعمار الأربعة الّذين هم الخلفاء الراشدون في مذهبكم ، فكان لا يجد بدّا من قوله لك : بلى ، قلت : فكيف تقول حينئذ : أليس كما علم رسول الله أنّ الخلافة من بعده لأبي بكر ، علم أنّها من بعد أبي بكر لعمر ومن بعد عمر لعثمان ومن بعد عثمان لعليّ؟ فكان أيضا لا يجد بدّا من قوله لك : نعم ، ثمّ كنت تقول له : فكان الواجب على رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يخرجهم جميعا (على الترتيب) إلى الغار ويشفق عليهم كما أشفق على أبي بكر ، ولا يستخفّ بقدر هؤلاء الثلاثة بتركه إيّاهم وتخصيصه أبا بكر وإخراجه مع نفسه دونهم.
ولمّا قال : أخبرني عن الصدّيق والفاروق أسلما طوعا أو كرها؟ لم لم تقل له : بل أسلما طمعا ، وذلك بأنّهما كانا يجالسان اليهود ويستخبرانهم عمّا كانوا يجدون في التوراة وفي سائر الكتب المتقدّمة الناطقة بالملاحم من حال إلى حال من قصّة محمّد صلىاللهعليهوآله ومن عواقب أمره ، فكانت اليهود تذكر أنّ محمّدا يسلّط على العرب كما كان بخت نصّر سلّط على بني إسرائيل ، ولا بدّ له من الظفر بالعرب كما ظفر بخت نصّر ببني إسرائيل ، غير أنّه كاذب في دعواه أنّه نبيّ ، فأتيا محمّدا فساعداه على شهادة ألّا إله إلّا الله ، وبايعاه طمعا في أن ينال كلّ واحد منهما من جهته ولاية بلد إذا استقامت اموره ، واستتبّت أحواله ، فلمّا آيسا من ذلك تلثّما وصعدا العقبة مع عدّة من أمثالهما من المنافقين على أن يقتلوه ، فدفع الله تعالى كيدهم وردّهم بغيظهم لم ينالوا خيرا ، كما أتى طلحة والزبير عليّا عليهالسلام فبايعاه وطمع كلّ واحد منهما أن ينال من جهته ولاية بلد ، فلمّا آيسا نكثا بيعته وخرجا عليه ، فضرع الله واحد منهما مصرع أشباههما من الناكثين.
قال سعد : ثمّ قام مولانا الحسن بن عليّ الهادي عليهالسلام للصلاة مع الغلام ، فانصرفت عنهما ، وطلبت أثر أحمد بن إسحاق فاستقبلني باكيا ، فقلت : ما أبطأك وأبكاك؟ قال : قد فقدت الثوب الّذي سألني مولاي إحضاره ، قلت : لا عليك فأخبره ، فدخل عليه مسرعا وانصرف من عنده متبسّما وهو يصلّي على محمّد وآل محمّد ، فقلت : ما الخبر؟ قال : وجدت الثوب مبسوطا تحت قدمي مولانا يصلّي عليه.