في الشهر كما يشبّ غيره في السنة ، فمكث ما شاء الله أن يمكث.
ثمّ إنّ امّه قالت لأبيه : لو أذنت لي حتّى أذهب إلى ذلك الصبي فأراه فعلت ، قال : فافعلي ، فأتت الغار فإذا هي بإبراهيم عليهالسلام ، وإذا عيناه تزهران كأنّهما سراجان ، فأخذته وضمّته إلى صدرها وأرضعته ثمّ انصرفت عنه ، فسألها أبوه عن الصبي ، فقالت له : قد واريته في التراب ، فمكثت تعتلّ وتخرج في الحاجة وتذهب إلى إبراهيم عليهالسلام فتضمّه إليها وترضعه ثمّ تنصرف ، فلمّا تحرّك أتته امّه كما كانت تأتيه ، وصنعت كما كانت تصنع ، فلمّا أرادت الانصراف أخذ بثوبها فقالت له : ما لك؟ فقال لها : اذهبي بي معك ، فقالت له : حتّى أستأمر أباك (١).
كلام الشيخ الصدوق
قال الشيخ الصدوق : وأمّا غيبة إبراهيم خليل الرحمن صلوات الله عليه ، فانّها تشبه غيبة قائمنا صلوات الله عليه ، بل هي أعجب منها ، لأنّ الله عزوجل غيّب أثر إبراهيم عليهالسلام وهو في بطن امّه ، حتّى حوّله عزوجل بقدرته من بطنها إلى ظهرها ، ثمّ أخفى أمر ولادته إلى وقت بلوغ الكتاب أجله.
فلم يزل إبراهيم عليهالسلام في الغيبة مخفيا لشخصه ، كاتما لأمره ، حتّى ظهر فصدع بأمر الله تعالى ذكره وأظهر الله قدرته فيه.
ثمّ غاب عليهالسلام الغيبة الثانية ، وذلك حين نفاه الطاغوت عن مصر ، فقال : (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا) قال الله عزوجل : (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا* وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) يعني به عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، لأنّ إبراهيم قد كان دعا الله عزوجل أن يجعل له لسان صدق في الآخرين ، فجعل الله تبارك وتعالى له ولإسحاق ويعقوب لسان صدق عليّا ، فأخبر عليّ عليهالسلام بأنّ القائم هو الحادي عشر من ولده وأنّه المهديّ الّذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، وأنّه تكون له
__________________
(١) كمال الدّين ١ / ١٣٨ ـ ١٣٩. وتتمة الحديث في الكافي ٨ / ٥٥٨.