محكم كتابه : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) فبدأ عزوجل بالخليفة قبل الخليقة ، فدلّ ذلك على أنّ الحكمة في الخليفة أبلغ من الحكمة في الخليقة ، فلذلك ابتدأ به لأنّه سبحانه حكيم ، والحكيم من يبدأ بالأهمّ دون الأعمّ ، وذلك تصديق قول الصادق جعفر بن محمّد عليهماالسلام حيث يقول : «الحجّة قبل الخلق ومع الخلق ، وبعد الخلق» ولو خلق الله عزوجل الخليقة خلوا من الخليفة ، لكان قد عرّضهم للتلف ، ولم يردع السفيه عن سفهه بالنوع الّذي توجب حكمته من إقامة الحدود وتقويم المفسد ، واللحظة الواحدة لا تسوّغ الحكمة ضرب صفح عنها ، إنّ الحكمة تعمّ كما انّ الطاعة تعمّ ، ومن زعم أنّ الدنيا تخلو ساعة من إمام ، لزمه أن يصحّح مذهب البراهمة في إبطالهم الرسالة ، ولو لا أنّ القرآن نزل بأنّ محمّدا صلىاللهعليهوآله خاتم الأنبياء ، لوجب كون رسول في كل وقت ، فلمّا صح ذلك لارتفع معنى كون الرسول بعده ، وبقيت الصورة المستدعية للخليفة في العقل ، وذلك أنّ الله تقدس ذكره لا يدعو إلى سبب إلّا بعد أن يصوّر في العقول حقائقه ، واذا لم يصوّر ذلك ، لم تنسق الدعوة ولم تثبت الحجّة ، وذلك أنّ الأشياء تألف أشكالها ، وتنبو عن أضدادها. فلو كان في العقل إنكار الرسل ، لما بعث الله عزوجل نبيّا قطّ.
مثال ذلك الطبيب يعالج المريض بما يوافق طباعه ، ولو عالجه بدواء يخالف طباعه أدّى ذلك إلى تلفه ، فثبت أنّ الله أحكم الحاكمين لا يدعو إلى سبب إلّا وله في العقول صورة ثابتة ، وبالخليفة يستدلّ على المستخلف كما جرت به العادة في العامّة والخاصّة ، وفي المتعارف متى استخلف ملك ظالما ، استدلّ بظلم خليفته على ظلم مستخلفه ، وإذا كان عادلا استدلّ بعدله على عدل مستخلفه ، فثبت أنّ خلافة الله توجب العصمة ، ولا يكون الخليفة إلّا معصوما.
وجوب طاعة الخليفة
ولمّا استخلف الله عزوجل آدم في الأرض ، أوجب على أهل السماوات الطاعة ؛ له فكيف الظنّ بأهل الأرض؟ ولمّا أوجب الله عزوجل على الخلق الإيمان بملائكة الله ، وأوجب على الملائكة السجود لخليفة الله ، ثمّ لمّا امتنع ممتنع من الجنّ عن السجود له ،