فلمّا نبتت الأشجار وتأزّرت وتشرفّت (وتشوّقت خ) واعتصبت ، وزهر الثمر عليها بعد زمن طويل ، استنجز من الله سبحانه وتعالى العدة ، فأمره الله تبارك وتعالى أن يغرس نوى تلك الأشجار ويعاود الصبر والاجتهاد ، ويؤكّد الحجّة على قومه ، فأخبر بذلك الطوائف الّتي آمنت به ، فارتدّ منهم ثلاثمائة رجل ، وقالوا : لو كان ما يدّعيه نوح حقّا ، لما وقع في وعد ربّه خلف ، ثمّ إنّ الله تبارك وتعالى لم يزل يأمره عند كلّ مرّة بأن يغرسها مرّة بعد اخرى ، إلى أن غرسها سبع مرّات ، فما زالت تلك الطوائف من المؤمنين ترتدّ منهم طائفة بعد طائفة ، إلى أن عاد إلى نيّف وسبعين رجلا ، فأوحى الله تبارك وتعالى عند ذلك إليه ، وقال : يا نوح الآن أسفر الصبح عن الليل بعينك ، حين صرّح الحقّ عن محضه ، وصفى من الكدر بارتداد من كانت طينته خبيثة فلو أنّي أهلكت الكفّار وأبقيت من قد ارتدّ من الطوائف الّتي كانت آمنت بك ، لما كنت صدقت وعدي السابق للمؤمنين الّذين أخلصوا التوحيد من قومك ، واعتصموا بحبل نبوّتك ، فإنّي أستخلفهم في الأرض وأمكّن لهم دينهم ، وابدّل خوفهم بالأمن ، لكي تخلص العبادة لي بذهاب الشرك من قلوبهم ، وكيف يكون الاستخلاف والتمكين وبذل الأمن منّي لهم مع ما كنت أعلم من ضعف يقين الّذين ارتدّوا وخبث طينتهم وسوء سرائرهم الّتي كانت نتائج النفاق وشيوخ الضلالة ، فلو أنّهم تنسّموا من الملك الّذي اوتي المؤمنين وقت الاستخلاف إذا أهلكت أعدائهم ، لنشقوا روائح صفاته ، ولاستحكمت سرائر نفاقهم ، وتأبّد خبالة ضلالة قلوبهم ، ولكاشفوا اخوانهم بالعداوة ، وحاربوهم على طلب الرئاسة ، والتفرّد بالأمر والنهي ، وكيف يمكن التمكين في الدّين وانتشار الأمر في المؤمنين مع إثارة الفتن وإيقاع الحروب ، كلّا فاصنع الفلك بأعيننا ووحينا. قال الصادق عليهالسلام : وكذلك القائم عليهالسلام ، فإنّه يمتدّ أيّام غيبته ليصرح الحقّ عن محضه ، ويصفو الإيمان من الكدر بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة من الشيعة الّذين يخشى عليهم النفاق إذا أحسّوا بالاستخلاف والتمكين والأمر المنتشر في عهد القائم عليهالسلام.
قال المفضّل : فقلت : يا ابن رسول الله ، فإنّ هذه النواصب تزعم أنّ هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ عليهالسلام.