فصل
ولما وقع ما وقع من الأمر العظيم ، وهو الغلب الذي غلبته القبط في ذلك الموقف الهائل ، وأسلم السحرة الذين استنصروا بهم ، لم يزدهم ذلك إلا كفرا وعنادا وبعدا عن الحق.
قال الله تعالى : (وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ* قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ* قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ.)
[٧ / الأعراف : ١٢٧ ـ ١٢٩]
يخبر تعالى عن الملأ من قوم فرعون ، وهم الأمراء والكبراء ، أنهم حرضوا ملكهم فرعون على أذية نبي الله موسى عليهالسلام ، ومقابلته بدل التصديق بما جاء به ، بالكفر والرد والأذى.
قالوا : «أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك» يعنون ـ قبحهم الله ـ أن دعوته إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، والنهي عن عبادة ما سواه ، فساد بالنسبة إلى اعتقاد القبط ، لعنهم الله. وقرأ بعضهم : «ويذرك وإلهتك» أي وعبادتك. ويحتمل شيئين : أحدهما ويذر دينك ، وتقويه القراءة الأخرى.
والثاني : ويذر أن يعبدك ؛ فإنه كان يزعم أنه إله لعنه الله.
«قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم» أي لئلا يكثر مقاتلتهم ، «وإنا فوقهم قاهرون» أي غالبون.
«وقال موسى لقومه استعينوا بالله وأصبروا» أي إذا هم هموا بأذيتكم والفتك بكم ، فاستعينوا أنتم بربكم وأصبروا على بليتكم «إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين» أي فكونوا أنتم المتقين لتكون لكم العاقبة ، كما قال في الآية الأخرى : «وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين* فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين* ونجنا برحمتك من القوم الكافرين».
وقولهم : «قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا» أي قد كانت الأبناء تقتل قبل مجيئك وبعد مجيئك إلينا. قال : «عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون».