الشداد ، وقد قيل إنها كانت [من الجلود وإنها كانت](١) تحمل على ستين بغلا ، فالله أعلم.
* * *
وقد وعظه (٢) النصحاء من قومه قائلين : «لا تفرح» أي لا تبطر بما أعطيت وتفخر على غيرك (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ* وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ) يقولون : لتكن همتك مصروفة لتحصيل (٣) ثواب الله في الدار الآخرة ، فإنه خير وأبقى ، ومع هذا (لا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا) أي وتناول منها بمالك ما أحل الله لك ، فتمتع لنفسك بالملاذ الطيبة الحلال ، (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ) أي وأحسن إلى خلق الله كما أحسن الله خالقهم وبارئهم إليك ، (وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ) أي ولا تسيء إليهم ولا تفسد فيهم ، فتقابلهم ضد ما أمرت فيهم فيعاقبك ويسلبك ما وهبك ؛ (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ).
فما كان جواب قومه لهذه النصيحة الصحيحة الفصيحة إلا أن قال (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي).
يعني أنا لا أحتاج إلى استماع (٤) ما ذكرتم ، ولا إلى ما إليه أشرتم ، فإن الله إنما أعطاني هذا لعلمه إني استحقه ، وإني أهل له ، ولو لا أني حبيب إليه وحظّى عنده لما أعطاني ما أعطاني.
قال الله تعالى ردا عليه وفيما (٥) ذهب إليه : (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً؟ وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) أي قد أهلكنا من الأمم الماضين بذنوبهم وخطاياهم من هو أشد من قارون قوة وأكثر أموالا وأولادا ؛ فلو كان ما قال صحيحا لم نعاقب أحدا ممن كان أكثر مالا ، منه ولم يكن ماله دليلا على محبتنا له واعتنائنا به. كما قال تعالى : (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) ، وقال تعالى : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ* نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ) وهذا الرد عليه يدل على صحة ما ذهبنا إليه من معنى قوله : (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي).
وأما من زعم أن المراد من ذلك أنه كان يعرف صنعة الكيمياء ، أو أنه كان يحفظ الاسم الأعظم فاستعمله في جمع الأموال ، فليس بصحيح ؛ لأن الكيمياء تخييل وصنعة ، لا تحيل الحقائق ، ولا تشابه صنعة الخالق (٦) ، والاسم الأعظم لا يصعد الدعاء به من كافر به ، وقارون كان كافرا في الباطن منافقا في الظاهر. ثم لا يصح جوابه لهم بهذا على التقدير ، ولا يبقى بين الكلامين تلازم ، وقد وضحنا هذا في كتابنا التفسير ، ولله الحمد.
__________________
(١) من و.
(٢) و : نصحه
(٣) و : إلى تحصيل.
(٤) م : إلى استعمال.
(٥) م : وما ذهب.
(٦) م : الخلاق.