وهذا ذكر عمارة بيت المقدس بعد خرابها
واجتماع الملأ من بني إسرائيل بعد تفرقهم في بقاع الأرض وشعابها
قال الله تعالى في كتابه المبين وهو أصدق القائلين : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.)
[٢ / البقرة : ٢٥٩]
قال هشام بن الكلبي : ثم أوحى الله تعالى إلى أرميا عليهالسلام فيما بلغني : إني عامر بيت المقدس فاخرج إليها فانزلها. فخرج حتى قدمها وهي خراب ، فقال في نفسه : سبحان الله أمرني أن أنزل هذه البلدة وأخبرني أنه عامرها فمتى يعمرها ومتى يحييها الله بعد موتها!
ثم وضع رأسه فنام ومعه حماره وسلة من طعام فمكث في نومه سبعين سنة حتى هلك بختنصر والملك الذي فوقه وهو لهراسب ، وكان ملكه مائة وعشرين سنة وقام بعده ولده بشتاسب بن لهراسب ، وكان موت بختنصر في دولته فبلغه عن بلاد الشام أنها خراب وأن السباع قد كثرت في أرض فلسطين فلم يبق بها من الإنس أحد ، نادى في أرض بابل في بني إسرائيل : أن من شاء أن يرجع إلى الشام فليرجع ، وملك عليهم رجلا من آل داود وأمره أن يعمر بيت المقدس ويبني مسجدها ، فرجعوا فعمرها وفتح الله لأرميا عينيه فنظر إلى المدينة كيف تبنى وكيف تعمر ، ومكث في نومه ذلك حتى تمت له مائة سنة. ثم بعثه الله وهو لا يظن أنه نام أكثر من ساعة وقد عهد المدينة خرابا فلما نظر إليها عامرة آهلة قال : أعلم أن الله على كل شيء قدير.
قال : فأقام بنو إسرائيل بها ورد الله عليهم أمرهم ، فمكثوا كذلك حتى غلبت عليهم الروم في زمن ملوك الطوائف ، ثم لم يكن لهم جماعة ولا سلطان يعني بعد ظهور النصارى عليهم.
وهكذا حكاه بن جرير في تاريخه عنه (١) وذكر ابن جرير أن لهراسب كان ملكا عادلا سائسا لمملكته قد دانت له العباد والبلاد والملوك والقواد وأنه كان ذا رأي جيد في عمارة الأمصار والأنهار والمعاقل ، ثم لما ضعف (٢) عن تدبير المملكة بعد مائة سنة ونيف نزل عن الملك لولده بشتاسب ، فكان في
__________________
(١) و : عنهم.
(٢) و : عجز.