ذكر منشأ عيسى ابن مريم عليهماالسلام
ومرباه في صغره وصباه وبيان بدء الوحي إليه من الله تعالى
قد تقدم أنه ولد ببيت لحم قريبا من بيت المقدس.
وزعم وهب بن منبه أنه ولد بمصر وأن مريم سافرت هي ويوسف بن يعقوب النجار وهي راكبة على حمار ليس بينهما وبين الإكاف شيء.
وهذا لا يصح ، والحديث الذي تقدم ذكره دليل على أن مولده كان ببيت لحم ، كما ذكرناه ، ومهما عارضه باطل.
وذكر وهب بن منبه أنه لما خرت الأصنام يومئذ في مشارق الأرض ومغاربها ، وأن الشياطين حارت في سبب ذلك حتى كشف لهم إبليس الكبير أمر عيسى فوجدوه في حجر أمه والملائكة محدقة به ، وأنه ظهر نجم عظيم في السماء وأن ملك الفرس أشفق من ظهوره فسأل الكهنة عن ذلك فقالوا : هذا لمولد عظيم في الأرض ، فبعث رسله ومعهم ذهب ومرمر ولبان هدية إلى عيسى ، فلما قدموا الشام سألهم ملكها عما أقدمهم فذكروا له ذلك ، فسأل عن ذلك الوقت فإذا قدر ولد فيه عيسى ابن مريم ببيت المقدس واشتهر أمره بسبب كلامه في المهد فأرسلهم إليه بما معهم وأرسل معهم من يعرفه له ليتوصل إلى قتله إذا انصرفوا عنه ، فلما وصلوا إلى مريم بالهدايا ورجعوا قيل لها إن رسل ملك الشام إنما جاؤوا ليقتلوا ولدك. فاحتملته فذهبت به إلى مصر ، فأقامت به حتى بلغ عمره اثنتي عشرة سنة ، وظهرت عليه كرامات ومعجزات في حال صغره ، فذكر منها أن الدهقان الذي نزلوا عنده افتقد مالا من داره وكانت داره لا يسكنها إلا الفقراء والضعفاء والمحاويج فلم يدر من أخذها ، وعز ذلك على مريم عليهاالسلام وشق على الناس وعلى رب المنزل وأعياهم أمرها ، فلما رأى عيسى عليهالسلام ذلك عمد إلى رجل أعمى وآخر مقعد من جملة من هو منقطع إليه. فقال للأعمى : أحمل هذا المقعد وانهض به. فقال : إني لا أستطيع ذلك. فقال : بلى كما فعلت أنت وهو حين أخذتما هذا المال من تلك الكوة من الدار. فلما قال ذلك صدقاه فيما قال وأتيا بالمال فعظم عيسى في عين الناس وهو صغير جدا.
ومن ذلك أن ابن الدهقان عمل ضيافة للناس بسبب طهور أولاده ، فلما اجتمع الناس وأطعمهم ثم أراد أن يسقيهم شرابا يعني خمرا ، كما كانوا يصنعون في ذلك الزمان لم يجد في جراره شيئا فشق ذلك عليه ، فلما رأى عيسى ذلك منه قام فجعل يمر على تلك الجرار ويمر يده على أفواهها