ذكر إدريس عليهالسلام
قال الله تعالى : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا* وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا.) [١٩ / مريم : ٥٦ ، ٥٧]
فإدريس عليهالسلام قد أثنى الله عليه ووصفه بالنبوة والصديقية ، وهو خنوخ هذا ، وهو في عمود نسب رسول الله صلىاللهعليهوسلم على ما ذكره غير واحد من علماء النسب.
وكان أول بني آدم أعطي النبوة بعد آدم وشيث عليهماالسلام (١).
وذكر ابن إسحاق أنه أول من خط بالقلم ، وقد أدرك من حياة آدم ثلاثمائة سنة وثماني سنين. وقد قال طائفة من الناس إنه المشار إليه في حديث معاوية بن الحكم السّلمي لما سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الخط بالرمل فقال : «إنه كان نبي يخط به فمن وافق خطه فذاك».
ويزعم كثير من علماء التفسير والأحكام أنه أول من تكلم في ذلك ، ويسمونه هرمس الهرامسة ، ويكذبون عليه أشياء كثيرة كما كذبوا على غيره من الأنبياء والعلماء والحكماء والأولياء.
وقوله تعالى : (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) هو كما ثبت في الصحيحين في حديث الإسراء : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم مر به وهو في السماء الرابعة. وقد روى ابن جرير عن يونس ، عن عبد الأعلى ، عن ابن وهب ، عن جرير بن حازم ، عن الأعمش ، عن شمر بن عطية ، عن هلال بن يساف قال : سأل ابن عباس كعبا وأنا حاضر فقال له : ما قول الله تعالى لإدريس : (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا)؟ فقال كعب : أما إدريس فإن الله أوحى إليه : إني أرفع لك كل يوم مثل جميع عمل بني آدم ـ لعله من أهل زمانه ـ فأحبّ أن يزداد عملا ، فأتاه خليل له من الملائكة فقال : إن الله أوحى إليّ كذا وكذا فكلّم ملك الموت حتى ازداد عملا ، فحمله بين جناحيه ثم صعد به إلى السماء ، فلما كان في السماء الرابعة تلقاه ملك الموت منحدرا ، فكلم ملك الموت في الذي كلمه فيه إدريس ، فقال : وأين إدريس؟ قال هو ذا على ظهري ، فقال ملك الموت : يا للعجب! بعثت وقيل لي أقبض روح إدريس في السماء الرابعة ، فجعلت أقول : كيف أقبض روحه في السماء الرابعة وهو في الأرض؟! فقبض روحه هناك. فذلك قول الله عزوجل : (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا).
__________________
(١) هذا الأثر أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (١ / ١ / ١٦) من طريق هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه ، عن أبي صالح عن ابن عباس.