المقدمة
الحمد لله رب العالمين ، منزل القرآن بلسان عربي مبين. والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين ، ورضي الله عن صحابته الغر الميامين الذين تلقوا هذا القرآن من فيه طريّا بأفصح بيان وأعلى إعجاز ، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد ، فإن علم القراءات القرآنية ذروة العلوم وسنامها ؛ إذ به يتلى كتاب الله المجيد ، ومنه تعبق أفانين اللغة العربية نحوا وبلاغة وصرفا. فهو الخير الذي زفّه إلينا عليه الصلاة والسلام بقوله : (خيركم من تعلم القرآن وعلمه). وقد ألف أعلام أمتنا الإسلامية كثيرا من أسفار هذا العلم الجليل بما جعلهم غرة التاريخ ومصابيح الدجى. وكانت مدينة واسط العراق عين الفيض العلمي التي انبجست عن كوكبة من العلماء الأفذاذ في هذا الشأن. فانساحوا انسياح الماء العذب في أرجاء المعمورة ولا سيما الفردوس المفقود : ـ بلاد الأندلس المسلمة ـ لينشروا علم القراءات المبارك ، فأينعت تلك البقاع التي حلوا بها بعلماء حملوا راية علم الآباء والأجداد ، لينقلوها أمانة إلى الأحفاد. فقد ترك لنا أولئك الأعلام مصنفات شتى في القراءات السبع والقراءات العشر وغيرها ؛ ضمت بين جنباتها الثر الوفير من علوم اللغة العربية ولا سيما علم الأصوات اللغوية الذي أدهش ـ ما أبدع فيه علماؤنا ـ علماء الغرب في الدراسات الألسنية المعاصرة.
والحق الذي لا مراء فيه ، أن دارس العربية إن لم يطلع على القراءات القرآنية وما فيها من الظواهر الصوتية والنحوية غاب عنه الكثير من أسرار هذه اللغة المعطاء. ولا يخفى أن تحقيق المخطوطات ودراستها فن علمي جميل يحتاج إلى