كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (١٨٧))
السائل عن الساعة رجلان ؛ منكر يتعجّب لفرط جهله ، وعارف مشتاق يستعجل لفرط شوقه ، والمتحقق بوجوده ساكن فى حاله ؛ فسيان عنده قيام القيامة ودوام السلامة.
ويقال الحق ـ سبحانه ـ استأثر بعلم الساعة ؛ فلم يطلع على وقتها نبيّا ولا صفيّا ، فالإيمان بها غيبى ، ويقين أهل التوحيد صادق (١) عن شوائب الرّيب. ثم معجّل قيامتهم يوجب الإيمان بمؤجّلها (٢).
قوله جل ذكره : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلاَّ ما شاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١٨٨))
أمره بتصريح الإقرار بالتبري عن حوله ومنّته ، وأن قيامه وأمره ونظامه بطول ربّه ومنّته ؛ ولذلك تتجنّس علىّ الأحوال ، وتختلف الأطوار ؛ فمن عسر (٣) يمسّني ، ومن يسر (٤) يخصنى ، ولو كان الأمر بمرادى ، ولم يكن بيد غيرى قيادى لتشابهت أحوالى فى اليسر ، ولتشاكلت أوقاتى فى البعد من العسر.
قوله جل ذكره : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها)
أخرج النّسمة من نفس واحدة وأخلاقهم مختلفة ، وهممهم متباينة ، كما أن الشخص من
__________________
(١) ربما كانت (صاف) فى الأصل
(٢) القيامة المعجلة التي يشير إليها هى (التي تقوم فى اليوم غير مرة بالهجر والنوى والفراق) اللطائف (م) ٣٥١ ، فالمقصود من العبارة إذا أن أهل الخصوص يؤمنون إيمان يقين بالقيامة المؤجلة لأنهم يشهدون ويذوقون القيامة المعجلة ، وقد صدق القشيري إذ يقول فى رسالته : (فما للناس غيب فلهم ظهور) الرسالة ص ١٩٨.
(٣) وردت (عصر).
(٤) وردت (يستر) وقد صوبناهما (عسر ويسر) فى ضوء ما قالاهما.