نطفة واحدة وأعضاؤه وأجزاؤه مختلفة. فمن قدر على تنويع النطفة المتشاكلة أجزاؤها فهو القادر على تنويع أخلاق الخلق الذين أخرجهم من نفس واحدة.
قوله جل ذكره : (لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ).
ردّ المثل إلى المثل ، وربط الشّكل بالشكل ، ليعلم العالمون أن سكون الخلق مع الحقّ لا إلى الحق ، وكذلك أنسل الخلق من الخلق لا من الحق ، فالحقّ تعالى قدوس ؛ منه كل حظ للخلق خلقا ، منزه عن رجوع شىء إلى حقيقته حقا.
قوله جل ذكره : (فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٩٠))
شرّ الناس من يبتهل إلى الله عند هجوم البلاء بخلوص الدعاء ، وشدة التضرع والبكاء ، فإذا أزيلت شكاته ، ودفعت ـ بمنّته ـ آفاته ضيّع الوفاء ، ونسى البلاء ، وقابل الرّفد (١) بنقض العهد ، وأبدل العقد برفض الود ، أولئك الذين أبعدهم الله فى سابق الحكم ، وخرطهم فى سلك أهل الرد (٢)
قوله جل ذكره : (أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (١٩١))
كما لا يجوز أن يكون الربّ مخلوقا لا يجوز أن يكون غير الرب خالقا ، فمن وصف الحقّ بخصائص وصف الخلق فقد ألحد ، ومن نعت الخّلق بما هو من خصائص حق الحق فقد جحد.
قوله جل ذكره : (وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٢))
من حكم بأنه ليس فى مقدور الحق شىء (لو فعله اسم الجاهل طوعا إلا فعله (٣) فقد
__________________
(١) (الرفد) هو العطاء.
(٢) وردت (الود) وهى خطأ في النسخ.
(٣) ما بين القوسين جاء فى النسخة المصورة هكذا ، وفيه غموض ربما نشأ عن خطا فى النسخ.