ثبتوا على نفاقهم ، ودأبوا على أن يلبّسوا على المسلمين ، فهتك الله أستارهم بقوله : وما هم بمؤمنين كذا قيل :
من تحلى بغير ما هو فيه |
|
فضح الامتحان ما يدّعيه |
ولما تجردت أقوالهم عن المعاني كان وبال ما حصلوه منها أكثر من النفع الذي توهموه فيها ، لأنه تعالى قال : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) ولو لا نفاقهم لم يزدد عذابهم.
ويقال لما عدموا صدق الأحوال لم ينفعهم صدق الأقوال ، فإن الله تعالى قال : (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) فكانوا يقولون نشهد إنك لرسول الله ، وكذلك من أظهر من نفسه ما لم يتحقق به افتضح عند أرباب التحقيق فى الحال ، وقيل :
أيها المدعى سليمى هواها |
|
لست منها ولا قلامة ظفر |
إنما أنت فى هواها كواو |
|
ألصقت فى الهجاء ظلما بعمرو |
قوله جلّ ذكره : (يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ)
عاد وبال خداعهم والعقوبة عليه (١) إلى أنفسهم فصاروا فى التحقيق كأنهم خادعوا أنفسهم ، فما استهانوا إلا بأقدارهم ، وما استخفّوا إلا بأنفسهم ، وما ذاق وبال فعلهم سواهم ، وما قطعوا إلا وتينهم. ومن كان عالما بحقائق المعلومات فمن رام خداعه إنما يخدع نفسه.
والإشارة فى هذه الآية أن من تناسى لطفه السابق وقال لى ربى ومنى وأنا يقع فى وهمه وظنه لك وبك ومنك وأنت ، وهذا التوهم أصعب العقوبات (٢) لأنه يرى سرابا فيظنه شرابا حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوقّاه حسابه.
قوله جلّ ذكره : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ)
فى قلوب المنافقين مرض الشك ، ويزيدهم الله مرضا بتوهمهم أنهم نجوا بما لبّسوا
__________________
(١) وردت فى ص (عليها) والأصح أن تكون عليه لأن الضمير يعود على الخداع وربما قصد القشيري عودة الضمير على مفهوم ، وهو جريمة الخداع.
(٢) جاء فى رسالة القشيري «التوحيد إسقاط الياءات فلا تقول لى وبي ومنى وإلى» ص ١٤٩