قوله جل ذكره : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ)
الإشارة منها : أنه إذا دعاهم واعظ فى قلوبهم من خفى خواطرهم إلى ما فيه رشدهم تتبعوا رخص التأويل ، ولبّسوا على أنفسهم ما يشهد بقساوة قلوبهم ، وحين جحدوا برهان الحق من خواطر قلوبهم نزع الله البركة من أحوالهم ، وأبدلهم تصامما عن الحق ، وابتلاهم بالاعتراض على الطريقة (١) وسلبهم الإيمان بها.
وكما أن المرتد أشد على المسلمين عداوة كذلك من رجع عن الإرادة إلى الدنيا والعادة فهو أشد الناس إنكارا لهذه الطريقة ، وأبعد من أهلها ، وفى المثل : من اخترق كدسه (٢) تمنى أن يقع بجميع الناس ما أصابه.
وإرفاق المرتدين عن طريق الإرادة ـ عند الصادقين منهم ـ غير مقبول كما أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يقبل زكاة ثعلبة.
ويقال كفى لصاحب الكذب فضيحة بأن يقال له فى وجهه كذبت ، فهم لمّا قالوا إنما نحن مصلحون ، أكذبهم الحق سبحانه فقال : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) : إنّا نعلمهم فنفضحهم.
قوله عز ذكره : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ)
الإشارة منها أن المنافقين لما دعوا إلى الحق وصفوا المسلمين بالسّفه ، وكذلك أصحاب الغنى إذا أمروا بترك الدنيا وصفوا أهل الرشد بالكسل والعجز ، ويقولون إن الفقراء ليسوا على شىء ، لأنه لا مال لهم ولا جاه ولا راحة ولا عيش ، وفى الحقيقة هم الفقراء وهم أصحاب المحنة ؛ وقعوا فى الذل مخالفة الذل ، ومارسوا الهوان خشية الهوان ، شيّدوا القصور ولكن
__________________
(١) يقصد القشيري طريقة الصوفية.
(٢) الكدس بضم الكاف وتسكين الدال : المجتمع من كل شىء كالحب المحصود والتمر والدرام والرمل والجمع اكداس (الوسيط واللسان).