أرخى لهم ستر الإمهال فلمّا أصرّوا على تماديهم فى الغواية حلّت بهم العقوبة ، وصاروا وكأن لم يكن بينهم نافخ نار ، ولا فى ديار الظالمين ديّار ، قال تعالى : (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ)
قوله جل ذكره : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٩٦) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ)
كرّر قصة موسى عليهالسلام تفخيما لشأنه ، وتعظيما لأمره ، وتنبيها على علوّ قدره عند الله وعلى مكانة الآيات التي أرسله بها ، ومعجزاته الباهرة ، وبراهينه القاهرة ..
ويقال أصعب عدوّ قهره أولا نفسه ، وقد دله ـ سبحانه ـ على ذلك لمّا قال : إلهى! كيف أطلبك؟
فقال : عند المنكسرة قلوبهم من أجلى.
فنبّهه إلى استصغاره لنفسه ، وانكساره لله بقلبه ، فزادت صولته لما صار معصوما عن شهود فضل لنفسه ؛ والسلطان الذي خصّه به استولى على قلوب من رآه ، كما قال : (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) (١) فما رآه أحد إلا أحبّه ، ثم إنه لم يأخذه فى الله ضعف ، مثلما لطم وجه فرعون ـ وهو رضيع ـ كما فى القصة ، ولطم وجه ملك الموت لمّا طالبه بقبض روحه .. كما فى الخبر ، وأخذ برأس أخيه يجرّه إليه لمّا رجع من سماع الخطاب عند المعاتبة ، وأقدم بالجسارة على سؤال الرؤية ، وقتل القبطىّ لما استعان به من وافقه فى العقيدة ، وقال لله (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ) (٢) لمّا أخبره الحق بما عمله قومه من عبادة العجل بحكم الضلالة ... ففى جميع هذا تجاوز الله عنه لما أعطاه من السلطان والقوة.
قوله جل ذكره : (فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ)
__________________
(١) آية ٣٩ سورة طه.
(٢) آية ١٥٥ سورة الأعراف.