ويقال لم تطبّ نفوسهم بأن يذهبوا عن باب الله بالكليّة فدبّروا لحسن الرجوع قبل ارتكاب مادعته إليه نفوسهم ، وهذه صفة أهل العرفان بالله (١).
قوله جل ذكره : (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (١٠))
إخوة يوسف ـ وإن قابلوه بالجفاء ـ منعتهم شفقة النّسب وحرمة القرابة من الإقدام على قتله ؛ فقالوا لا تقتلوه وغيّبوا شخصه.
ويقال إنما حملهم على إلقائه مرادهم أن يخلو لهم وجه أبيهم ، فلمّا أرادوا حصول مرادهم فى تغييبه لم يبالغوا فى تعذيبه.
ويقال لمّا كان المعلوم له ـ سبحانه ـ فى أمر يوسف تبليغه إياه تلك القربة ألقى الله فى قلب قائلهم حتى قال : (لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ).
ثم إنه ـ وإن أبلاه فى الحال ـ سهّل عليه ذلك فى جنب ما رقّاه إليه فى المآل (٢) ، قال قائلهم :
كم مرة حفّت بك المكاره |
|
خار لك الله ـ وأنت كاره |
قوله جل ذكره : (قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (١١))
كلام الحسود لا يسمع ، ووعده لا يقبل ـ وإنّ كانا فى معرض النّصح ؛ فإنّه يطعم الشّهد ويسقى الصّاب.
ويقال العجب من قبول يعقوب ـ عليهالسلام ـ ما أبدى بنوه له من حفظ يوسف عليهالسلام وقد تفرّس فيهم قلبه فقال ليوسف : (فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً) ولكن إذا جاء القضاء فالبصبرة تصير مسدودة.
__________________
(١) واضح من هنا ومما جاء فى السياق أن القشيري ـ بتسامحه الصوفي الأصيل ـ ينظر إلى إخوة يوسف نظرة خالية من التحامل عليهم.
(٢) كأنما ينصح القشيري أصحاب الإرادة : إن لقيتم اليوم فى الله شدة ، فلكم غدا مثوبة. وكأنما يوضح لأهل الجدل : إن مقاييس الشر والخير الإنسانية خاطئة قاصرة.