ويقال من قبل على محبوبه حديث أعدائه لقى ما لقى يعقوب فى يوسف ـ عليهماالسلام ـ من بلائه.
قوله جل ذكره : (أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (١٢))
يقال أطمعوا يعقوب عليهالسلام فى تمكينهم من يوسف بما فيه راحة نفس فى اللعب ، فطابت نفس يعقوب لإذهابهم إياه من بين يديه ـ وإن كان يشقّ عليه فراقه ، ولكنّ المحبّ يؤثر راحة محبوبه على محبة نفسه.
ويقال لما ركن إلى قولهم : (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) ـ أي من قبلهم (١) ـ حتى قالوا : (وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ) ؛ فمن أسلم حبيبه إلى أعدائه غصّ بتحسّى بلائه.
قوله جل ذكره : (قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (١٣))
يحزننى أن تذهبوا به لأنى لا أصبر عن رؤيته ، ولا أطيق على فرقته ... هذا إذا كان الحال سلامته .. فكيف ومع هذا أخاف أن يأكله الذئب؟!
ويقال لما خاف عليه من الذئب امتحن بحديث الذئب ، ففى الخبر ما معناه : إنما يسلط على ابن آدم ما يخافه. وكان من حقه أن يقول أخاف الله لا الذئب ، وإن كانت محالّ الأنبياء عليهمالسلام ـ محروسة من الاعتراض عليها.
ويقال لمّا جرى على لسان يعقوب ـ عليهالسلام ـ من حديث الذئب صار كالتلقين لهم ، ولو لم يسمعوه ما اهتدوا إلى الذئب (٢).
__________________
(١) يرجع القشيري ما أصاب يعقوب من بلاء إلى ركونه إلى حفظ يوسف من قبل الخلق ؛ وأنه اطمأن لدعواهم مع أن الحفظ لا يكون إلا بالله.
(٢) تفيد هذه النقطة فى إثبات كرامة الأولياء ، وما يجرى على ألسنتهم من تنبؤ بما قد يحدث فى المستأنف على وجه الإجمال.