ثم اعترف بوجدان الجزاء على الصبر فى مقاساة الجهد والعناء فقال : (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ).
وسمعت الأستاذ أبا على الدقاق ـ رحمهالله ـ يقول لما قال يوسف : (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ) أحال فى استحقاق الأجر على ما عمل من الصبر ... فأنطقهم الله حتى أجابوه بلسان التوحيد فقالوا : (تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا) يعنى ليس بصبرك يا يوسف ولا بتقواك ، وإنما هو بإيثار الله إياك علينا ؛ فبه تقدمت علينا بحمدك وتقواك. فقال يوسف ـ على جهة الانقياد للحقّ : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) ؛ فأسقط عنهم اللوم ، لأنه لمّا لم يرتقواه من نفسه حيث نبّهوه عليه نطق عن التوحيد ، وأخبر عن شهود التقدير (١).
قوله جل ذكره : (قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ (٩١))
اعترفوا بالفضل ليوسف ـ عليهالسلام ـ حيث قالوا : (لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا) ، وأكّدوا إقرارهم بالقسم بقولهم (تَاللهِ) وذلك بعد ما جحدوا فضله بقولهم : (لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ، وهكذا من جحد فلأنه ما شهد ، ومن شهد فما جحد.
ويقال لمّا اعترفوا بفضله وأقرّوا بما اتصفوا به من جرمهم بقولهم : (وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ) وجدوا التجاوز عنهم حين قال يوسف :
(قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٩٢))
أسرع يوسف فى التجاوز عنهم ، ووعد يعقوب لهم بالاستغفار بقوله : (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) لأنه كان أشدّ حبا لهم فعاتبهم ، وأما يوسف فلم يرهم أهلا للعتاب فتجاوز عنهم على الوهلة ، وفى معناه أنشدوا :
ترك العتاب إذا استحق أخ |
|
منك العتاب ذريعة الهجر |
__________________
(١) خلاصة رأى الدقاق أنه ليس بعمل الإنسان يصل ولكن بفضل الله واختياره ، وحتى عمل الإنسان فهو أيضا يتم بفضل الله واختياره .. وذلك أصل من أصول المذهب القشيري كما وضح فى مواضع متفرقة.