ويقال علم يوسف أن يعقوب لن يطيق على القيام بكفاية أمور يوسف فاستحضره ، إبقاء على حاله لا إخلالا لقدره وما وجب عليه من إجلاله.
قوله جل ذكره : (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ)
ما دام البلاء مقبلا كان أمر يوسف وحديثه ـ على يعقوب ـ مشكلا ، فلما زالت المحنة بعثرت بكل وجه حاله.
ويقال لم يكن يوسف بعيدا عن يعقوب حين ألقوه فى الجبّ ولكن اشتبه عليه خبره وحاله ، فلما زال البلاء وجد ريحه وبينهما مسافة ثمانين فرسخا ـ من مصر إلى كنعان.
ويقال إنما انفرد يعقوب عليهالسلام بوجدان ريح يوسف لانفرداه بالأسف عند فقدان يوسف. وإنما يجد ريح يوسف من وجد على فراق يوسف (١) ؛ فلا يعرف ريح الأحباب إلا الأحباب ، وأمّا على الأجانب فهذا حديث مشكل .. إذ أنّى يكون للإنسان ريح!؟.
ويقال لفظ الريح هاهنا توسع (٢) ، فيقال هبّت رياح فلان ، ويقال إنى لأجد ريح الفتنة .. وغير ذلك.
قوله جل ذكره : (لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ)
تفرّس فيهم أنهم يبسطون لسان الملامة فلم ينجع فيهم قوله ، فزادوا في الملامة فقالوا :
(قالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ)
قرنوا كلامهم بالشتم ، ولم يحتشموا أباهم ، ولم يراعوا حقّه فى المخاطبة ، فوضفوه بالضلال فى المحبة.
ويقال إن يعقوب عليهالسلام قد تعرّف من الريح نسيم يوسف عليهالسلام ، وخبر يوسف كثر حتى جاء الإذن للرياح ، وهذه سنّه الأحباب : مساءلة الديار ومخاطبة الأطلال ، وفى معناه أنشدوا :
__________________
(١) لاحظ الجمال فى أسلوب القشيري فى (يجد) ريح يوسف و (وجد) على فراقه.
(٢) كلمة (توسع) يستخدمها القشيري بمعنى (مجاز) ـ ذلك الاصطلاح البلاغى المعروف.