ويقال ليس كلّ ملك المخلوقين الاستيلاء على الخلق ، إنما الملك ـ على الحقيقة ـ صفاء الخلق.
قوله : (وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) : التأويل للخواص ، وتفسير التنزيل للعوام (١).
قوله جل ذكره : (فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)
(فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ـ هذا ثناء ، وقوله : (تَوَفَّنِي) ـ هذا دعاء.
فقدّم الثناء على الدعاء ، كذلك صفة أهل الولاء.
ثم قال : «أنت وليي فى الدنيا والآخرة ، هذا إقرار بقطع الأسرار عن الأغيار.
ويقال معناه : الذي يتولّى فى الدنيا والآخرة بعرفانه أنت ؛ فليس لى غيرك فى الدارين.
قوله : (تَوَفَّنِي مُسْلِماً) : قيل علم أنه ليس بعد الكمال إلا الزوال فسأل الوفاة.
وقيل من أمارات الاشتياق تمنّي الموت على بساط العوافي (٢) مثل يوسف عليهالسلام ألقى فى الجبّ فلم يقل توفنى مسلما ، وأقيم فيمن يزيد (٣) فلم يقل توفنى مسلما ، وحبس فى السجن سنين فلم يقل توفنى مسلما ، ثم لما تمّ له الملك ، واستقام الأمر ، ولقى الإخوة سجّدا ، وألفى أبويه معه على العرش قال :
(تَوَفَّنِي مُسْلِماً) ، فعلم أنه كان يشتاق للقائه (سبحانه).
وسمعت الأستاذ أبا على الدقاق ـ رحمهالله يقول. قال يوسف ليعقوب : علمت أنّا نلتقى فيما بعد الموت .. فلم بكيت كلّ هذا البكاء؟
__________________
(١) تصلح هذه العبارة لتوضيح الفرق ـ فى نظر القشيري ـ بين كلمتى التأويل والتفسير.
(٢) هذه العبارة والاستشهاد عليها من قصة يوسف أوردهما القشيري منسوبين لشيخه الدقاق فى الرسالة ص ١٦٣.
(٣) (أقيم فيمن يزيد) لم ترد فى النص السابق بالرسالة. ومعناها : نودى عليه ليباع كالعبيد بعد إخراجه من البئر.