وضعوا الكفران محل الشكر ، فاستعملوا النعمة للكفر ، بدلا من استعمالها فيما كان ينبغى لها من الشكر. واستعمال النعمة فى المعصية من هذه الجملة ، فأعضاء العبد كلها نعم من الله على العبد ، فإذا استعمل العاصي بدنه فى الزّلة بدلا من أن يستعملها فى الطاعة فقد بدّل النعمة كفرا ، وكذلك إذا أودع الغفلة قلبه مكان المعرفة ، والعلاقة فيه مكان الانقطاع إليه ، وعلّق قلبه بالأغيار بدل الثقة به ، ولطّخ لسانه بذكر المخلوقين ومدحهم بدل ذكر الله واشتغل بغير الله دون العناء فى ذكره ... كلّ هذا تبديل نعم الله كفرا. وإذا كان العبد منقطعا إلى الله ، مكفيا من قبل الله .. وجد فى فراغه مع الله راحة عن الخلق ، ومن إقباله عليه ـ سبحانه ـ كفاية ، فإذا رجع إلى أسباب التفرقة ، ووقع فى بحار الاشتغال ومعاملة الخلق ومدحهم وذمهم فقد أحلّ قومه دار البوار ؛ على معنى إيقاعه قلبه ونفسه وجوارحه فى المذلة من الخلق ، والمضرة فى الحال ، وشأنه كما قيل :
ولم أر قبلى من يفارق جنّة |
|
ويقرع بالتطفيل باب جهنم |
قوله جل ذكره : (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (٢٩))
وهى الجحيم المعجّل .. وعذابها الفرقة لا الحرقة.
قوله جل ذكره : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (٣٠))
رضوا بأن يكون معمولهم معبودهم ، ومنحوتهم مقصودهم ، فضلّوا عن نهج الاستقامة ، ونأوا عن مقر الكرامة ، وسيلقون غبّ (١) ما صنعوا يوم القيامة كما قيل :
قد تركناك والذي تريد |
|
فعسى أن تملّهم فتعودا |
قل تمتعوا أياما قليلة فأيام السرور قصار ، ومتع الغفلة سريعة الانقضاء.
قوله جل ذكره : (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا
__________________
(١) وردت (غير) وقد آثرنا أن تكون (غب) ليقوى المعنى أي عاقبة ما صنعوا.