الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (٣٢) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (٣٣))
فى الظاهر رفع السماء فأعلاها ، والأرض من تحتها دحاها ، وخلق فيها بحارا ، وأجرى أنهارا ، وأنبت أشجارا ، وأثبت لها أنوارا وأزهارا ، وأمطر من السماء ماء مدرارا. وأخرج من الثمرات أصنافا ، ونوّع لها أوصافا ، وأفرد لكلّ منها طعما مخصوصا ، ولإدراكه وقتا معلوما.
وأمّا فى الباطن فسماء القلوب زيّنها بمصابيح العقول ، وأطلع فيها شمس التوحيد ، وقمر العرفان. ومرج فى القلوب بحرى الخوف والرجاء ، وجعل بينهما برزخا لا يبغيان ؛ فلا الخوف يقلب الرجاء ولا الرجاء يقلب الخوف ، كما جاء فى الخبر : «لو وزنا لاعتدلا» (١) ـ هذا لعوام المؤمنين ، فأمّا الخواص فالقبض والبسط ، ولخاص الخاص فالهيبة والأنس والبقاء والفناء.
وسخّر لهم الفلك فى هذه البحار ليعبروها بالسلامة ، وهى فلك التوفيق والعصمة ، وسفينة الأنوار والحفظ. وكذلك ليالى الطلب للمريدين ، وليالى الطرب لأهل الأنس من المحبين ، وليالى الحرب (٢) للتائبين ، وكذلك نهار العارفين باستغنائهم عن سراج العلم عند متوع نهار اليقين.
قوله جل ذكره : (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (٣٤))
ما سمت إليه هممكم ، وتعلّق به سؤالكم ، وخطر تحقيق ذلك ببالكم ، أنلناكم
__________________
(١) أورده السراج فى لمعه ص ٩١ (قال صلىاللهعليهوسلم : لو وزن خوف المؤمن ورجاؤه لاعتدلا)
(٢) ربما يقصد القشيري بالحرب هنا جهاد التائب مع نفسه ، وإظهار الحزن والتأسف.