من الطاعة ؛ فبعد ما تكون أوطان الزّلّة بدواعى الشهوة تصير أوطان الطاعة لسهولة أدائها.
قوله جل ذكره : (الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٤٢))
الصبر الوقوف بحسب جريان القضاء ، والتوكل التوقي بالله بحسن الرجاء.
ويقال صبروا فى الحال ، وتوكلوا على الله فى تحقيق الآمال.
ويقال الصبر تحسّى كاسات المقدور ، والتوكل الثقة فى الله فى استدفاع المحذور.
ويقال الصبر تجرّع ما يسقى ، والتوكل الثقة بما يرجو.
ويقال إنما يقوون على الصبر بما حققوا من التوكل.
قوله جل ذكره : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٤٣))
تعجبوا أن يكون من البشر رسلا ، فأخبر أنّ الرسل كلّهم كانوا من البشر ، وأنّ فيمن سبق من أقرّ بذلك. و (أَهْلَ الذِّكْرِ) هم العلماء ؛ والعلماء مختلفون : فالعلماء بالأحكام إليهم الرجوع فى الاستفتاء من قبل العوام فمن أشكل عليه شىء من أحكام الأمر والنهى يرجع إلى الفقهاء فى أحكام الله ، ومن اشتبه عليه شىء من علم السلوك في طريق الله يرجع إلى العارفين بالله ، فالفقيه يوقّع عن الله ، والعارف ينطق ـ فى آداب الطلب وأحكام الإرادة وشرائط صحتها ـ عن الله ، فهو كما قيل : (أليس حقا نطقت بين الورى فاشتهرت ، كاشفها يعلم ما منّ عليها فجرت ، فهى عناء به عينيه قد طهرت) (١).
قوله جل ذكره : (بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤))
أي إن البيان إليك ، فأنت الواسطة بيننا وبينهم ، وأنت الأمين على وحينا.
__________________
(١) ما بين القوسين نقلناه كما هو من النص ، وربما كان شاهدا شعريا مضطرب الكتابة.