الذمّ كلّ من آثر حظّ نفسه على حقّ مولاه ، فإذا فعل ماله فيه نصيب وغرض كان مذموم الوصف ، ملوما على ما اختاره من الفعل.
ثم إنه عابهم على قبيح ما كانوا يفعلونه ويتصفون به من كراهة أن تولد لهم الإناث فقال :
(وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٥٩))
استولت عليهم رؤية الخلق (١) ، وملكتهم الحيرة ، فحنقوا على البنات مما يلحقهم عند تزويجهن وتمكين البعل فيهن .. وهذه نتائج الإقامة فى أوطان التفرقة ، والغيبة عن شهود الحقيقة.
ثم قال : (أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ) أي يحبس المولود إذا كان أنثى على مذلّة ، (أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ) ليموت؟ وتلك الجفوة فى أحوالهم جعلت ـ من قساوة قلوبهم فى أحوالهم ـ العقوبة أشدّ ممّا كانت بتعجيلها لهم. وجعلهم فرط غيظهم ، وفقد رضائهم ، وشدة حنقهم على من لا ذنب له من أولادهم ـ من أهل النار فى دركات جهنم ، وتكدّر عليهم الوقت ، واستولت الوحشة .. ونعوذ بالله من المثل السوء!
قوله جل ذكره : (لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٠) وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ
__________________
(١) أي تشتت رؤيتهم حين لم ينظروا إلى الخالق واستبدلوا ذلك بأن نظروا للمخلوق ... وهذه صفة هل التفرقة والغيبة ـ كما سيأتى بعد.