قوله جل ذكره (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٠))
ومن صبر حين عزم الأمر ، ولم يجنح إلى جانب الرّخص ، وأخذ فى الأمور بالأشقّ أكرم الله حقّه ، وقرّب مكانه ، ولقّاه فى كل حالة بالزيادة ، وربحت صفقته حين خسر أشكاله ، وتقدّم على الجملة وإن قلّ احتياله.
قوله جل ذكره : (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١١١))
غدا كلّ مشغول بنفسه ، ليس له فراغ إلى غيره. وعزيز عبد لا يشتغل بنفسه ، قال صلىاللهعليهوسلم : «من كان بحال لقى الله بها». إنما يكون الفارغ غدا من كان اليوم فارغا ، ويجادل عن نفسه من كان له اليوم اهتمام بنفسه. والمؤمن لا نفس له ؛ قال تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ) (١) اشتراها الحقّ منهم ، وأودعها عندهم ، فليس لهم فيها حق ، وإنما يراعون فيها أمر الحق.
قوله جل ذكره : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢))
فراغ القلب من الأشغال نعمة عظيمة ، فإذا كفر عبد بهذه النعمة بأن فتح على نفسه باب الهوى ، وانجرف فى فساد الشهوة ، شوّش الله عليه قلبه ، وسلبه ما كان يجده من صفاء وقته ؛ لأنّ طوارق النفس توجب عزوب شوارق القلب ، وفى الخبر : إذا أقبل الليل من
__________________
(١) آية ١١١ سورة التوبة