هاهنا أدبر النهار من هاهنا». وكذلك القلب إذا انقطع عنه معهود ما كان الحقّ أتاحه له أصابه عطش شديد ولهب عظيم.
قوله جل ذكره : (وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ (١١٣))
كما جاءهم الرسول جهرا فإنه تتأدّى إليهم من قبل خواطرهم إشارات تترى (١) ، فمن لم يستجب لتلك الإشارات بالوفاق والإعتاق (٢) أخذه العذاب من حيث لا يشعر.
قوله جل ذكره : (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١١٤))
الحلال الطيب ما يتناوله العبد على شريطة الإذن بشاهد الذكر على قضية الأدب فى ترك الشبهة (٣) ، وحقيقة الشكر على النعمة الغيبة عن شهود النعمة بالاستغراق فى شهود المنعم.
قوله جل ذكره : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٥))
يباح تناول المحرمات عند هجوم الضرورات حسب بيان الشرع ، ولا يرخّص فى ذلك إلا على أوصاف مخصوصة ، وبقدر ما يسدّ الرّمق ، كذلك عند استهلاك العبد بغلبات الحقيقة لا بد من رجوعه إلى حال الصحو بقدر ما يؤدى الفرض الواجب عليه ، ثم لا يمكّن من التعريج فى أوطان التفرقة والتمييز بعد مضى أوقات الصحو من أجل أداء الشرع (٤) ، كما قيل :
__________________
(١) تترى أي تتابع ، وربما كانت (سرا) لتقابل جهرا
(٢) أي إعتاق النفس وتحريرها من رق الشهوات
(٣) وردت (الشدة) والصواب ـ حسب ما يقول القشيري في مواضع مماثلة ـ أن تكون (الشبهة)
(٤) هذه هى حالة الفرق الثاني التي تتخلل حالة جمع الجمع ، وفيها يرد العبد إلى الصحو عند أوقات الفرائض ويكون رجوعه لله بالله لا للعبد بالعبد.