وقيل هو ما لا يعود منه نفع إلى صاحبه ، بل يكون نفعه لعباده ممّا فيه حقّ الله ـ سبحانه.
ويقال هو ما لا يجد صاحبه سبيلا إلى جحده ، وكان دليلا على صحة ما يجده قطعا ، فلو سألته عن برهانه لم يجد عليه دليلا ؛ فأقوى العلوم أبعدها من الدليل (١).
قوله جل ذكره : (قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (٦٦))
تلطف فى الخطاب حيث سلك طريق الاستئذان ، ثم صرّح بمقصوده من الصحبة بقوله : (عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً).
ويقال إن الذي خصّ به الخضر من العلم لم يكن تعلمه من أستاذ ولا من شخص ، فما لم يكن بتعليم أحد إياه .. متى كان يعلمه غيره؟
قوله جل ذكره : (قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٦٧) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (٦٨) قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (٦٩))
سؤال بذلك العطف وجواب بهذا العطف!
ثم تدارك قلبه بقوله : (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً؟) ، فأجابه موسى : (قالَ سَتَجِدُنِي ...) وعد من نفس موسى بشيئين : الصبر ، وبأن لا يعصيه فيما يأمر به ، فأمّا الصبر فقرنه بالاستثناء بمشيئة الله فقال : (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً) فصبر حتى وجد صابرا ، فلم يقبض على يدى الخضر فيما كان منه من الفعل ، والثاني قوله : (لا أَعْصِي
__________________
(١) وسر قوة العلم الذي يبعد عن الدليل أنه من الحق ، وبقدر ما تختفى الجوانب الإنسانية فى العلم وتبرز المنن الإلهية فيه تكون نصاعة برهانه وقوة بيانه.