ف (كانَ) هاهنا فى اللفظ صلة .. وحملوا ذلك منها على الاستهانة بفعلتها.
قوله جل ذكره : (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠))
لما قالوا ذلك أنطق الله عيسى حتى قال : إنى عبد الله ، فظهرت براءة ساحتها بكلام عيسى قبل أن يتكلم مثله. وجرى على لسانه حتى قال : إنى عبد الله ؛ ليقال للنصارى إن صدق عيسى أنه عبد الله بطل قولكم إنه ثالث ثلاثة ، وإن كذب فالذى يكذب لا يكون ابنا لله ، وإنما يكون عبدا لله ، وإذا لم يكن عبد هواه ، ولا فى أسر شىء سواه فمن تحرر من غيره فهو فى الحقيقة عبده.
و (آتانِيَ الْكِتابَ) : أي سيؤتينى الكتاب أو آتاني فى سابق حكمه.
(وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) بفضله. وفى الآية ردّ على من يقول إن النبوة تستحقّ بكثرة الطاعة لأنه قال ذلك فى حال ولادته ؛ ولم تكن منه بعد عبادة وأخبر أن الله جعله نبيا (١).
قوله جل ذكره : (وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (٣١) وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (٣٢))
أي نافعا للخلق يرشدهم إلى أمور دينهم ، ويمنعهم من ارتكاب الزّلّة التي فيها هلاكهم ، ومن استضاء بنوره نجا. فهذه بركاته التي كانت تصل إلى الخلق. ومن بركاته إغاثة الملهوف ، وإعانة الضعيف ، ونصرة المظلوم ، ومواساة الفقير ، وإرشاد الضال ، والنصيحة للخلق ، وكفّ الأذى عنهم وحمل الأذى منهم.
(وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا) أي لم يجعلنى غير قابل للنصيحة.
__________________
(١) فى موضع آخر حاول القشيري ان يوضح ضرورة استقلال عمل الإنسان والنظر إليه بعين الاستصغار رغبة منه في ربط كل شىء بالفضل والاجتباء الإلهيين ، فاستشهد بأن عيسى صار نبيا ـ وهو بعد لم تكن منه طاعة ولا عمل.