لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) ليعلم أنّ المدار على حكم الربّ لا على جرم الخلق.
قوله جل ذكره : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى)
لمّا وقعت عليه سمة العصيان ـ وهو أوّل البشر ـ كان فى ذكر هذا تنفيس لأولاده ؛ أن تجرى عليهم زلّة وهم بوصف الغيبة فى حين الفترة.
ويقال كانت تلك الأكلة شيئا واحدا ، ولكن قصتها يحفظها ويرددها الصبيان إلى يوم القيامة.
وعصى آدم ربّه ليعلما أن عظم الذنوب لمخالفة الآمر وعظم قدره .. لا لكثرة المخالفة فى نفسها.
قوله جل ذكره : (ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى (١٢٢))
أخبر أنه بعد ما عصى ، وبعد كلّ ما فعله اجتباه ربّه ؛ فالذى اصطفاه أوّلا بلا علّة (١) اجتباه ثانيا بعد الزّلّة ، فتاب عليه ، وغفر ذنبه ، (وَهَدى) : أي هداه إليه حتى اعتذر واستغفر.
قوله جل ذكره : (قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (١٢٣))
أوقع العداوة بين آدم وإبليس والحية ، وقد توالت المحن على آدم وحواء بعد خروجهما من الجنة بسمة العصيان ، ومفارقة الجنة ، ودخول الدنيا ، وعداوة الشيطان ، والابتلاء بالشهوات. ثم قال :
(فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ ...) وترك هواه ، ولم يعمل بوسوسة العدوّ فله كلّ خير ، ولا يلحقه ضير.
قوله جل ذكره : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً)
الكافر إذا أعرض عن ذكره بالكلية فله المعيشة الضنك فى الدنيا ، وفي القبر ،
__________________
(١) تفيد هذه العبارة فى بيان أهمية الاصطفاء الإلهى ، وأن العمل الإنسانى له الدرجة الثانية فى الأهمية. ثم تفيد فى بيان الفرق فى الاصطلاح بين (الاصطفاء) و (الاجتباء).