التفسير ، ويحتمل (١) أن تكون الظلمات ما التبس عليه من وقته واستبهم عليه من حاله.
قوله جل ذكره : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (٨٨))
استجبنا له ولم يجر منه دعاء ؛ لأنه لم يصدر عنه أكثر من قوله : (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) ، ولم يقر بالظلم إلا وهو يستغفر منه.
ثم قال : (وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ ...) يعنى : كلّ من قال من المؤمنين ـ إذا أصابه غمّ ، أو استقبله مهم ـ مثلما قال ذو النون نجيناه كما نجينا ذا النون.
قوله جل ذكره : (وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (٨٩))
سأل الولد ، وإنما سأله ليكون له معينا على عبادة ربّه ، وليقوم فى النبوة مقامه ، ولئلا تنقطع بركة الرسالة من بيته (٢) ، ولقد قاسى زكريا من البلاء ما قاسى حتى حاولوا قطعه بالمنشار ، ولما التجأ إلى شجرة انشقت له وتوسّطها ، والتأمت الشجرة ، وفطنوا إلى ذلك فقطعوا الشجرة بالمنشار ، وصبر لله ، وسبحان الله!
كان انشقاق الشجرة له معجزة ، وفى الظاهر كان حفظا له منهم ، ثم لو لم يطلعهم عليه لكان في ذلك سلامته ، ولعلّهم ـ وقتلوه ـ لم يصبه من الألم القدر الذي لحقه من القطع بالمنشار طول إقامته ، وإنما المعنى فيه أن انشقاق الشجرة كان له معجزة ، فقوى بذلك يقينه لمّا رأى عجيب الأمر فيه من نقض العادة (٣) ، ثم البلاء له بالقتل ليس ببلاء فى التحقيق ، ولقد قال قائلهم : «إنما يستعذب الأولياء البلوى للمناجاة مع المولى».
__________________
(١) هذا النوع من الظلمات ـ وهو المرتبط بالنفس ـ متوقع صدوره عن مفسر صوفى علم بأحوال النفس.
(٢) أي أنه لم يسال الولد لحظ نفسه بل لحق ربه ، وهذه بشرى إجابة الدعاء.
(٣) أي أن المعجزة ليست فقط من أجل القوم الذين فيهم النبي بل فى حسابها تثبيت قلب النبي وترسيخ يقينه.