كما فى أفق العالم ليل ونهار فكذلك للسرائر ليل ونهار ؛ فعند التجلي نهار وعند الستر ليل ، ولليل السّرّ ونهاره زيادة ونقصان ، فبمقدار القبض ليل وبمقدار البسط نهار ، ويزيد أحدهما على الآخر وينقص .. وهذا للعارفين. فأمّا المحقّقون فلهم الأنس والهيبة مكان قبض قوم وبسطهم ، وذلك فى حالى صحوهم ومحوهم ، ويزيد أحدهما وينقص ، ومنهم من يدوم نهاره ولا يدخل عليه ليل .. وذلك لأهل الأنس فقط (١).
قوله جل ذكره : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٦٢))
إذا بدا علم من الحقائق حصلت بمقداره شظية من الفناء لمن حصل له التجلي ، ثم يزيد ظهور ما يبدو ويغلب ، وتتناقص آثار التفرقة وتتلاشى ، قال : صلىاللهعليهوسلم : «إذا أقبل النهار من هاهنا أدبر الليل من هاهنا» فإذا نأى العبد بالكلية عن الإحساس بما دون الله فلا يشهد أولا الأشياء إلا للحقّ ، ثم لا يشهدها إلا بالحق ، ثم لا يشهد إلا الحق .. فلا إحساس له بغير الحق ، ومن جملة ما ينساه .. نفسه والكون كله (٢).
قوله جل ذكره : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (٦٣))
ماء السماء يحيى الأرض بعد موتها ، وماء الرحمة يحيى أحوال أهل الزّلة بعد تركها ، وماء العناية يحيى أحوال (...) (٣) بعد زوال رونقها ، وماء الوصلة يحيى أهل القربة بعد لضوبها.
__________________
(١) كثير من المصطلحات الصوفية لا يفهم فهما دقيقا إلّا بطريق المقارنة المعتمدة على مظاهر الطبيعة كالليل والنهار والجبال والبحار والسحب ... إلخ.
وقد استغل القشيري ـ فى ظلال القرآن الكريم ـ هذا الجانب.
(٢) تفيد هذه الفقرة فى توضيح مراتب الشهود.
(٣) في م (الناس) وفى ص مكتوبة هكذا (المقاليس).